فـــــي ليلــــــة الميــــــلاد
دقت أجراس الميلاد من الفاتيكان إلى بيت لحم، لكن من يسمع أصواتها؟ فـآلام يسوع باقية منذ نكبة فلسطين، وليست بيت لحم وحدها التي يخيم عليها الحزن، بل كل المنطقة تفتقر إلى المعنى العميق لهذا العيد، وهو المحبة والسلام. كان الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هو المصدر الرئيسي للحرب والعنف، كلما حل عيد الميلاد وبيت لحم تحت الاحتلال الصهيوني تزداد أحزان النبي عيسى، ولا يمكن لأحد أن يتخيل حجم هذه الأحزان حين يأتي عيد الميلاد والمنطقة المحيطة بمهده أسيرة الاحتلال الإسرائيلي. ولكن من ذا الذي يستطيع الاحتفاظ بأمل في أن يأتي عيد ميلاد في أجواء أقل إثارة للحزن والألم، بينما الصراعات البدائية تتفاقم في المنطقة، والانقسام يزداد عمقاً. وهكذا تزداد الأحزان وتبدو احتفالات عيد الميلاد في مهد المسيح خجولة بعد تضاؤل الأمل في أن تعرف المنطقة شيئاً من العدالة التي تمثل المعنى الحقيقي لهذا العيد.
تظهر بيت لحم مدينة شاحبة حزينة، بعيدة عن أجواء الفرح، وهذا الواقع لا يلمسه إلا أهالي مدينة بيت لحم، الحاضرة في قلوب مسيحيي العالم والبعيدة في الوقت ذاته عن فرحة العيد. ففي الوقت الذي يحتفل فيه المسيحيون في العالم بالعيد نجد مدينة المسيح وسكانها وبقية مسيحيي فلسطين يبحثون عن حريتهم الدينية لأداء شعائرهم، لأن عيد الميلاد هو تجديد السلام في قلوب البشر، السلام الذي أنشدته الملائكة في سماء بيت لحم: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام.
وعد السلام الذي جاء مع ميلاد السيد المسيح لم يتحقق بعد، والرئيس الأميركي دونالد ترامب عازم على عدم تحقيقه، وقراره حول القدس أخفت وهج شجرة الميلاد أمام كنيسة المهد في بيت لحم، ودفع الفلسطينيين لمسيرات العودة عند نقاط التماس في كل فلسطين التاريخية. فالقرار ألقى ظلاً قاتماً على عيد الميلاد، لأنه انتقاص من الحقوق التاريخية لعرب ومسيحيي فلسطين التي لها جذور قوية ومثبتة تاريخياً في القدس. لقد أدخل ترامب العالم في مشكلة كبيرة وهو الذي يعلم أن نابلس قدمت، حسب الأناجيل، أولى طلائع المسحيين إليها بعد عقود من التبشير، لكن رغم ذلك ستكون ليلة إضاءة شجرة الميلاد مثل كل سنة، لكنها ليست ليلة للفرح بل للأماني بعودة السلام إلى أرض السلام.
كلنا نصلي من أجل بيت لحم وكنيسة المهد كي ترتفع دقات أجراس الكنائس لتغطي بألحانها صوت البنادق والرشاشات وآلات الموت في كل منطقتنا. ولابد أن يأتي طفل بيت لحم ليذكرنا بأن الوصية الأولى هي الحب ويعلمنا التسامح والمصالحة. ولابد أن تشرق أنوار عيد الميلاد مجدداً على هذه الأرض لتمجد قدسية الإنسان والأرض، وتتقبل دعوات يسوع السلام بتحقيق عهد الرب كاملاً، وتحطيم عصي الجلادين، وحرق أحذية المحتلين والمستوطنين.
علي اليوسف