نتائج تحتاج إلى تدقيق الخطط في المؤسسات العامة.. أوراق وأرقام تتناقض مع الواقع
قليلة هي الحالات التي نسمع بها عن نجاح الخطط التي وضعتها المؤسسة أو الشركة لعملها في المستقبل القريب، فسوء التخطيط في مؤسساتنا وشركاتنا يعتبر العامل المشترك في عملها، إذ يعتبر التخطيط في المؤسسات والشركات الحجر الأساسي لاستمرار عملها بنجاح، ففشل أية مؤسسة يعود لفشل التخطيط فيها، والتخطيط الناجح يعتمد على الاستثمار الأمثل، والتوجيه السليم للموارد البشرية والمادية لأقصى حد لتحقيق الأهداف المرسومة من خلال استخدام الوسائل والأساليب المتاحة لضمان تحقيق الهدف، ونجاح الخطة، وهذا ما نفتقده في عمل مؤسساتنا.
غياب التكامل
يعتبر التخطيط العمود الفقري لعمل المنشآت، فعندما يكون التخطيط سليماً تأتي النتائج سليمة، برأي غسان السوطري، “عضو مجلس إدارة في المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية”، حيث تبنى الخطط في شركاتنا بشكل غير دقيق لعدة أسباب، فعلى مستوى الخطط الإنتاجية تبنى الخطط الإنتاجية عادة على الطاقات التصميمية والفعلية لخطوط الإنتاج، وتصطدم هذه الخطط بالكثير من المعوقات، إن كان لعدم توافر المواد الأولية، أو الإنتاج الزائد دون تسويق، كما أن الخطط الاستثمارية التي توضع تتدخل فيها جهات عديدة، وتحذف من المخطط وتضيف بشكل ارتجالي، وما ينقصنا في التخطيط تأهيل الكوادر البشرية التي هي المورد الأهم لأية منشأة، مضيفاً بأن أعمال مديريات التخطيط تقتصر على وضع الأرقام فقط، فالخطط التي تبنى في الشركات تعرض على جهات وصائية جديدة، وكل جهة وصائية تتصرف بما يرضيها، وليس ما تتطلبه العملية الإنتاجية، والخطة الاستثمارية في الشركات، وهذا من أكبر المعوقات لدينا، كذلك نفتقر للتكامل بين كافة الجهات، وعدم دراسة السوق، والمعطيات الموجودة قبل وضع الخطط السنوية.
قصور المعلومات
في المقابل وجد محمد كوسا، “خبير اقتصادي”، أنه في الأنظمة الداخلية للمؤسسات كافة، هناك مديرية تخطيط تعتبر من مديريات النظام الداخلي النموذجي العام، أي مفروض وجودها وملزم لكل جهة عامة، معتبراً التخطيط عملية رقابية لمجريات العمل سابقة ولاحقة له، وإحدى أدواتها تقرير التتبع، وعندما تأتي النتائج عكس الخطط فهذا ناتج إما عن سوء التنفيذ، أو نقص المعلومات، أو وجود سوء فهم، أو على أقل تقدير انحراف في التوجهات، وهذا ناتج عن ضعف العقل المخطط، أو ضعف كفاءات التنفيذ، لكن الواقع يقول إن أغلب المؤسسات تضع خططاً خلبية وهمية لا تستطيع تنفيذها، وسبب ذلك أن الإدارات تريد أن تبرز أن لديها أعمالاً ومشاريع وأهدافاً كبرى، لكنها في التنفيذ غير واقعية وغير حقيقية، وهي مطمئنة أن الرقابة والمحاسبة غائبة، وأضاف كوسا: إن عامل نجاح أية خطة هو العقل المخطط، العقل الذي يملك قدرة على التخيل، ولديه قدرة على تفسير ورؤية الجوانب الخفية من العمل، أو الأشياء، والتنبؤ بالمستقبل، وقراءة الأرقام، وتطور المعطيات في المستقبل، ومن عوامل نجاح الخطط المعلومات الصادقة، والبيانات الحقيقية، وتحديد آليات جمع البيانات، واختيارها بشكل صحيح، وتحديد الأهداف القابلة للتطبيق والواضحة والسهلة والمرنة، وسبب فشل الخطط هو المبالغة في الأهداف، وقصور المعلومات، وضعفها، وعدم مصداقيتها، وفي الواقع مؤسساتنا تفشل في التخطيط لأن أغلب الإدارات لا تؤمن بالتخطيط، ومديريات التخطيط لديها غير نافعة ومهمشة بشكل واضح وكبير، حتى إن العاملين في أغلب المؤسسات ليسوا مؤهلين، وأكد كوسا أن التخطيط يلزمه الكادر المؤهل والمدرب الذي يتمتع بعقل تخيلي رفيع المستوى، ويمتلك قدرات ومواهب علمية في الاقتصاد والإدارة والقانون والرياضيات، وأغلب العلوم لأن المخطط هو الذي سيرسم المستقبل، ويجب أن يحيط بكل جوانب العمل، ولديه اطلاع على العلوم المكملة لعلم الاقتصاد، فكل عملية تخطيط يجب أن يقوم فيها فريق متكامل من حيث المعلومات، والخبرات، والإمكانات حتى يغطي جوانب الخطة كلها، وإذا كان الفريق غير متكامل ستكون نتائج العمل مهابة في أحد الجوانب، أو منقوصة الأهداف، وقسم كوسا التخطيط إلى ثلاثة أنواع: التخطيط قصير الأجل الذي يحاول أن يخطط لفترة لا تزيد عن سنتين، ويهدف هذا التخطيط إلى معالجة الأزمات الطارئة التي قد تستمر لمدة قصيرة، والتخطيط متوسط الأجل، وهو الذي يغطي فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات مثل الخطة الخمسية، ويعد هذا النوع من التخطيط من أكثر الأنواع دقة، والتخطيط طويل الأجل، حيث تتراوح المدة الزمنية للتخطيط طويل الأجل من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات أو أكثر، ويهدف هذا النوع من التخطيط إلى إعطاء صورة أفضل وواضحة عن المستقبل الذي ستسير المنشأة في اتجاهه، وهذا النوع من الخطط يحتاج لإدارة تخطيطية مؤهلة ومدربة بشكل كبير كي تستطيع الوصول للنتائج المرجوة على المدى الطويل.
هامش حرية
تغيير التخطيط في شركاتنا ومؤسساتنا يحتاج إلى إدارة عليا تتبناه وتتخذ قراراً به، بحيث يتم العمل على مستوى استراتيجي، وليس بخطط آنية، برأي عمر الحلو، “عضو مجلس إدارة في المؤسسة العامة للنسيج”، فجميع شركاتنا ومؤسساتنا في القطاع العام، برأي الحلو، تواجه تحديات كبيرة لم تعد تنفع معها الخطط الجزئية التي منها مثلاً تخصيص ميزانيات لإصلاح خلل هنا، أو إعادة تأهيل مبنى أو آلة هناك، فالأمر يحتاج إلى وضع رؤية متكاملة، وتحديد الأولويات، والانطلاق ضمن الإمكانات المادية المتاحة بالمعالجة، مضيفاً بأن هناك سلسلة من الصعوبات والعقبات تواجهها الخطط في شركات القطاع العام أهمها الروتين، والتقييد، وعدم توفر المرونة اللازمة لاتخاذ القرارات الآنية والسريعة، إضافة إلى التدخل المباشر وغير المباشر لعدد من الجهات الرقابية، والإدارية، وغيرها التي تؤثر على قرار إدارات الشركات، وتحد من جرأة القرار الإداري، وبالتالي لم يعد من الممكن الاستمرار بالعمل على الوتيرة نفسها في اعتماد آليات التخطيط ذاتها للعمل والمتابعة والإصلاح والتطوير في ضوء القوانين والتعليمات الحالية النافذة، ومن الضروري تحرير الخطط السنوية من القيود لتتمتع بالمرونة الكاملة، وهذا يبدأ أولاً من وضع تشريعات وقوانين مرنة تمكن الإدارات من التحرك بحرية أكبر، وتخفيف عدد الجهات الرقابية التي تتدخل، وأحياناً تؤثر على العمل، وتؤدي إلى انحرافات في العمل الإداري.
الابتعاد عن الآنية
الوظيفة التخطيطية هي من أولى الوظائف، ويجب توفير متطلباتها من ناحية الموارد المادية والبشرية، وتعود أسباب الفشل في التخطيط في مؤسساتنا وشركاتنا، من وجهة نظر الدكتور سامر المصطفى، “كلية الاقتصاد”، لعدم الدقة في تحديد الأهداف، وعدم وجود أهداف حقيقية من عملية التخطيط، حيث يجب معرفة نوعية التخطيط المراد: “استراتيجي- إداري- تنفيذي”، وما يحصل لدينا هو أن القائمين على التخطيط يدمجون جميع الأنواع بآلية العمل نفسها، فكل نوع من التخطيط له هدف مختلف عن الآخر، والخطط التي توضع في شركاتنا ومؤسساتنا معقدة ولا تتسم بالبساطة والوضوح، توضع بشكل عشوائي دون تقدير للتكاليف والإمكانات الموجودة على أرض الواقع، إذ يجب على الخطط، برأي المصطفى، أن تراعي بيئة العمل، وألا تكون آنية بل استراتيجية على المدى الطويل، معتبراً وجود التخطيط الاستراتيجي في المنشآت يرتبط بمجموعة من المبادئ أهمها دعم دور إدارة الأزمات في الاستعداد للتغيرات غير المتوقعة، واختبار البدائل الممكنة للوصول إلى الهدف من التخطيط الاستراتيجي، ودراسة الاحتمالات المتاحة من أجل مواجهة التحديات، والتقليل من التهديدات التي تؤثر على العمل، ناهيك عن أن الخطط توضع دوماً من الأعلى للأدنى بدلاً من العكس، فالمستويات التنفيذية هي التي يجب أن تقترح الخطط، كذلك لابد من التنسيق بين الأقسام جميعها في الشركة والمؤسسة، لأن الهدف واحد، وضرورة اتصافه بالواقعية، والابتعاد عن العموميات، وبعد تنفيذ الخطط يجب طرح التساؤلات: هل حققت الخطط الهدف المرجو ضمن الفترة الزمنية المحددة حتى تكون خطة فعالة؟.. وأكد المصطفى على ضرورة إخضاع القائمين على التخطيط لدورات تدريبية تتضمن تحديد أهمية التخطيط، ومدى الحاجة له، ومراحل عملية التخطيط، وخصائص التخطيط.
ميس بركات