الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

نجيب محفوظ

حسن حميد

ها نحن في فترة ميلاد الروائي العربي صاحب جائزة نوبل للآداب (1988) نجيب محفوظ، وقد أقيمت وتقام في هذه الآونة نشاطات أدبية كثيرة ومتنوعة تدور حول حياة نجيب محفوظ وأدبه، وما شهدته حياته ومدونته الأدبية من التواءات ومنعطفات، وما عصفت بهما من أفكار وتوجهات، والمدهش حقاً هو أن حياة نجيب محفوظ وكتابته ما زالتا تتشققان عن أسرار مهمة ودالة، أعني أسرار كشّافة لحياته وأدبه في آن؛ ومن هذه التفاصيل التوكيد أن الرجل كان سرانياً في الكثير من تصرفاته واقتحاماته الأدبية والحياتية في آن.

ولد نجيب محفوظ سنة 1911 لأسرة رجل موظف تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وقد تعسرت ولادته على يدي أشهر أطباء التوليد والرعاية النسائية في مصر آنذاك، واسمه نجيب باشا محفوظ، وحين جاء المولود أُعطي اسم الطبيب، نجيب محفوظ، ولم يأخذ اسم عائلته، فأبوه اسمه عبد العزيز إبراهيم أحمد، وكان أصغر الأبناء، لهذا عومل معاملة خاصة لضعف جسمه. حصل على شهادة الفلسفة وهمّ باستكمال دراسته العليا، فأعد رسالة ماجستير حول جماليات الفلسفة الإسلامية لكنه انصرف عنها، وعمل في وزارة الأوقاف، ثم تعرف إلى ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد، فعمل في الوزارة. تزوج وهو في الأربعينيات من عمره، وقد أخفى زواجه عن أصدقائه مدة عشر سنوات، وكان قبل ذلك قد انصرف لرعاية أمه وأخته الأرملة، وقد أذاع خبر زواجه الشاعر صلاح شاهين بعد أن عرف ابنتيه (أم كلثوم، وفاطمة) في المدرسة، إثر مشاجرة وقعت لهما مع طالبة أخرى.

نشر نجيب محفوظ قصصه الأولى في مجلة الرسالة عند الأديب أحمد حسن الزيات، ثم نشر روايته الأولى (عبث الأقدار) بتشجيع من سلامة موسى، وأتبعها بروايتين هما /كفاح طيبة/ و/رادوبيس/ وهذه الروايات تمثل مرحلة الروايات التاريخية والاستغراق في التاريخ الفرعوني، ولم تلاقِ هذه الرواية الصدى الطيب لدى القراء، الانتباهة الحقيقية لأدب محفوظ كانت مع رواياته /القاهرة الجديدة/ و/خان الخليلي/ و/زقاق المدق/ التي تمثل أدب الواقعية الاجتماعية.. أما النقلة الأهم في عالم الشهرة فهي ثلاثيته /السكرية/ و/قصر الشوق/ و/بين القصرين/ التي أصبحت المدونة التي تعرف بأدبه وتوجهاته.

في عام 1950 بدأ نجيب محفوظ ينشر فصولاً من روايته /أولاد حارتنا/ التي جرّت عليه أسئلة لا حدّ لها، ولم تنشر كاملة في مصر، بل نشرت في دار الآداب (لبنان) بعد عام 1967، وقد أثارت بعد نشرها زوابع نقدية.

محطة مهمة في حياة نجيب محفوظ هي تعالقه مع السينما، فقد كتب سيناريوهات عدة لأفلام عدة، وأخذت رواياته فصارت أحداثها أفلاماً. لم تحظَ مدونة نجيب محفوظ الروائية والقصصية خلال ثلاثة عقود من الزمن الاهتمام الذي يليق بها، مع أن حضوره الأدبي والسينمائي خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات كان حيوياً جداً.

حاز نجيب محفوظ على جوائز عدة في مصر، ثم حاز جائزة نوبل (1988)، وتعرض لحادثة اغتيال، وسميت باسمه شوارع وساحات، وأقيم له نصب تذكاري، وعرفت باسمه جوائز أدبية، وله اليوم متحف خاص به. ومثلما لم يخرج نجيب محفوظ من مصر كثيراً (زار اليمن ويوغسلافيا، وبريطانيا)، فإن أدبه اقتصر على الحياة المصرية. مرّت بحياة نجيب محفوظ سنوات صمت وابتعد عن الكتابة لقناعته بأنها ليست ذات جدوى، وتساءل كثيراً حول صدود أهل النقد عن مقاربة أدبه، وأهل الترجمة عن نقل رواياته إلى اللغات الأخرى، إلى حدّ أنه قال إن كتابته للسينما هي /أكل عيش (خبز)/. له آراء في السياسة صادمة، ولاسيما ما يتعلق منها بالصراع العربي ـ الصهيوني.

نجيب محفوظ الذي لم يعرف شهرة مجايليه في مصر، هو اليوم الاسم المتقدم عليهم في كتاب الشهرة والمعروفية.

Hasanhamid55@yahoo.com