استقالة ماتيس.. وأزمة النظام الأمريكي
لم ينتظر دونالد ترامب موعد استقالة وزير دفاعه، جيمس ماتيس ، المقررة في شباط 2019 ، بل وضعه خارج هذا الموعد بكثير. وها هو باتريك شاهان نائب وزير الدفاع يعلن أنه سيتولى منصب القائم بأعمال وزير الدفاع في الأول من كانون الثاني 2019. وسيكون لديه قائمة طويلة من الإنجازات يجري العمل عليها.
لم تكن استقالة جيم ماتيس مفاجأة لأحد بل جاءت كرد على قرار ترامب الانسحاب من سورية، ذلك أن العلاقة بين ترامب وماتيس لم تكن سهلة أبداً، وهذا أقل ما يمكن قوله في ضوء شخصيتي هذين الرجلين المتقلبة والمتلونة. وفي هذا السياق يحلل خبير استراتيجي الوضع ويدق ناقوس الخطر من وقوع مجزرة عالمية لن يسلم منها أحد. فيقول: “لم يكن ماتيس، الذي أطلق عليه اسم “الكلب المجنون” يحفظ لسانه بل اشتبك مع ترامب في جميع القضايا الحساسة، وأبرزها وجود وأنشطة مشاة البحرية الأمريكية في سورية التي اعتبرها ترامب غير منطقية ومخالفة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية. إذ لم يخف ترامب معارضته وعداءه لنشر القوات الأمريكية في سورية وأفغانستان وأماكن أخرى من إفريقيا، بل أجبر على فعل ذلك بضغط من رعاة الدولة العميقة. وستقوم الصحف الكبرى كـ واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، حراس المعبد، بتطوير مقالات افتتاحية علمية ومحررة لن يكون محتواها أقل غباء من الانتقادات الصادرة من جميع الجهات ولكن هذه المرة ، كان هناك تغيير: أمريكا مهترئة وغارقة بالحروب غير المتناظرة التي أُطلقت ونفذت بشكل رئيسي في العالم الإسلامي منذ 11 أيلول 2001. حتى الجيش الأمريكي مستاء من إستراتيجية الحرب بدون نهاية ضد الخطأ، وهذا المفهوم صممته وروّجته جماعات الضغط المدنية، حروب استنزفت موارد الولايات المتحدة وخلقت فساداً هائلاً أفاد المصالح الخاصة، أو صرف الانتباه عن البلدان الفاشلة. هذه السياسة الخاطئة ساعدت على بروز وصعود الصين وروسيا.
بينما يرغب محرضو الحرب الآن الدخول في غمار حرب متناظرة مع القوى التي يعتبرونها “رجعية” لأنهم يشككون في “النظام العالمي الجديد” الذي أثاره الرئيس الأسبق جورج بوش الأب بعد حرب الخليج الأولى عام 1991.
لكن هذه المرة لم يعد الأمر يتعلق بالتورط في بلد مدمر وبدون بنية تحتية ومواجهة حرب عصابات في منتصف العمر، وإنما مواجهة قوتين عسكريتين عظميين تمتلكان ترسانة نووية كاملة ووسائل حرب حديثة: علم التحكم الآلي ، والفضاء ، والروبوتات. إن النخب الأمريكية تدفع باتجاه مجزرة عالمية، وفي الوقت عينه، تعمل على تعزيز عدم الاستقرار الاقتصادي والنقدي لإضعاف جميع المجتمعات البشرية وخلق مناخ ملائم لحرب عالمية مدمرة لن يفوز فيها أحد ولن ينجو منها أحد فطرق العناية الإلهية ليست سالكة في جميع الأوقات.
قد يكون قرار ترامب متسرعاً وقد لا يروق لكثيرين، إلا أن مدلولاته عديدة واستقالة ماتيس على خلفية هذا القرار مؤشر قوي على وجود أزمة حادة داخل الإدارة والمؤسسة الأمريكية.
هيفاء علي