“شهيَّا كفراق”.. خواطر وأفكار بلا هوية
بعد “ذاكرة الجسد وفوضى الحواس” كتبت أحلام مستغانمي الكاتبة الجزائرية، “عابر سرير، نسيان .كوم، الأسود يليق بك” ثم كتابها الصادر حديثا “شهيا كفراق” فهل استطاعت مستغانمي تجاوز نجاح كتابيها الأولين اللذين كانا مفتاح باب الشهرة من أوسع أبوابها، والخروج من أسرهما إلى فضاء روائي إبداعي جديد.
ربما مستغانمي ليست الوحيدة بين كتاب اتكأت حياتهم الأدبية على عمل أو اثنين وتوقف الإبداع عند حدودهما، ليكون جلّ ما تلاهما مجرد استثمار لنجاح سابق وتسويد لمزيد من الورق الأبيض كإثبات وجود، وإضافة أعداد لرصيدها من الكتب، فـ”الشيخ والبحر” كانت سفينة أرنست همنغواي الكاتب الأمريكي إلى العالم وجائزة نوبل على السواء وما تلاها كان مجرد أعداد برأي الكثير من النقاد.وكذلك “الخيميائي” عند باولو كويلو الذي أصبح أي حديث عنه يبدأ بمقولة صاحب الخيميائي مع أنه أب لأكثر من عشر روايات. وكذلك حال”البؤساء”وأحدب نوتردام” مع الفرنسي الشهير فيكتور هيجو، وحتى على الصعيد السوري نجد أن أي حديث عن الكاتب حيدر حيدر، مثلا، لابد وأن يرفق بذكر”وليمة لأعشاب البحر” لتتوقف صيرورة الإبداع بعدها. ولو سمح المجال هنا لذكرنا عشرات الكتّاب ممن ضن الإبداع لديهم عند عمل أو اثنين. فمن يقرأ ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وما تلاهما يجد كم التباين واضحا في مستوى النضوج وبراعة تطويع اللغة ورسم عوالم وشخصيات وحبكات منسوجة بنول نساج خلاق متمكن من أدواته، بينها وبين ماتلاها من كتب لم تحمل أية هوية، فما هو السبب هل هو غرور الشهرة وغوايتها، واستسهال الكتابة بعدها، أم انحسار قدرة التخيل لدى بعض الروائيين المعروفين دفعتهم نحو التعبير عن الذات واتخاذ حياتهم والمواقف التي مرت بهم نموذجا للكتابة، كما يرى أحد النقاد، لسهولة هذا النوع من الكتابة مقارنة بابتكار عوالم جديدة.
ولأننا هنا بصدد الحديث عن مولود مستغانمي الجديد “شهيا كفراق”، فإننا لانستطيع إلّا أن نسأل لماذا يتحول الروائي في لحظة من مبدع إلى منظر في كل شيء. وعلى القارئ أن ينبهر بكل مايكتب حتى ولو كان ثرثرة فوق صفحات كتاب.
الكتاب الجديد هو نوع من التّنظير والاستعراض الثقافي في مختلف المجالات لا أكثر، تبدأ بالواقع العربي والمصائب التي حلت به وانعكاس ذلك على شعوبه “أصبحنا شعوبا معلقة على أبواب القاطرات…” لتعود إلى بطل روايتها الأولى خالد بن طوبال لتطلع القارئ على طبيعة علاقتها بهذه الشخصية وشخصية طلال في “الأسود يليق بك”، ومناقشة ما طرحته من أفكار في الروايات السابقة، ثم تتحول إلى الحديث”عن الانترنت” الذي يستنزف كل وقتها وطاقتها الإبداعية، وعن علاقة السياسيين والكتاب بالحيوانات الأليفة مستشهدة بأمثلة متعددة.
في القسم الثاني تبدأ بتسطير رسائل إلى صديقتها كاميليا على غرار إيزابيل الليندي ورسائلها إلى جدها في”بيت الأرواح” ورسائل أشخاص مشهورين خطوها لحبيباتهم، لكن رسائل مستغانمي لم تأت في السياق العفوي والإبداعي نفسه لتلك الرسائل التي خلقت عوالم خلّدت مبدعيها في التاريخ، فهي مجرد أفكار وخواطر مبعثرة لكاتبة تبحث عن شيء تكتب عنه. 26 رسالة تتناول فيها تأثير التكنولوجيا على حياتنا الاجتماعية، وعلاقتها بقرائها الـ 12 مليون على صفحة “الفيس بوك” واهتمام كبار الكتاب العرب بمتابعة أخبارها الإبداعية وعلى رأسهم نزار قباني والشاعر السعودي غازي القصيبي اللذين لم يكن يهنأ لهما النوم دون أن يتصلا ليطمئنا على كاتبتنا العظيمة. والاستشهاد بمقولات وآراء وقصص مر بها كتّاب معروفين لتعزيز رأيها في قضايا تطرحها بشكل عشوائي لا يراعي أي تسلسل منطقي للسرد، ولا أي نمط فني من أنماط الكتابة، فالموضوع أو الفكرة يمكن أن تطرحها في القسم الأول وتعود تستعرضها في مكان آخر وكأنها تحث الذاكرة على جمع ما يكفي لإصدار كتاب في ٢٥٦ صفحة لا أكثر. تحتل الشواهد والأقوال لكتّاب استعرضت ثقافتها وسعة اطلاعها بها حيزا لابأس به من هذه الصفحات.
وحقيقة هي تعترف عندما تقول في مطلع كتابها “لا أكتب لأحد، ولا أدري ما سأكتبه بالضبط فهذا الكتاب لنفسي أولا..” لكن الغريب أن تعتبر هذا النوع من الكتابة وصفة مثالية لإنجاز كتاب ناجح. تأتي بعض أفكاره كيفما اتفق “فعندما نحدّث أنفسنا لا نحتاج إلى الكلام المنمق ولا إلى البحث عن منطق فيما نقوله، نحن نكتب بروح عارية، الكاتب يتعرى نيابة عن قرائه، ويرتكب جرائم حبر في حق نفسه ليبقى شرف القارئ مصونا…”.
آصف إبراهيم