مستقبل الناتو العربي ومشروع التطبيع الإسرائيلي الخليجي
مصطفى حسان
كاتب من اليمن
تمر الأنظمة العربية في الوقت الراهن في أسوأ حالاتها من الذل والخنوع والانقياد للصهيونية، وخصوصاً الخليجية، أما بالنسبة للشعوب فهي في أسوء حالاتها من الفقر والبطالة، مفكك الملكات، فاقد الأمل في مستقبل مجهول؛ لأن الزمن مع مروره يأتي بالأسوأ، بالإضافة إلى ذلك تأثير الإعلام كحرب فكرية شوه الرؤية ولبّد المستقبل بالغيوم.
لكن في وقتنا الحالي بدأت الغيوم تنقشع من خلال الحرب في اليمن والعراق وسورية، وما أفرزته من إشكاليات وحقائق لم يدركها الكثير من العامة، فالمال السعودي استخدم في تقطيع أوصال الشعوب العربية بنشر الإرهاب الطائفي العقائدي الذي ظلّوا يرضعونه هذا الفكر المسموم، منذ تولي بني سعود، ففككوا أوصال الأمة بأموال الخليج والطاقة البشرية العربية خدمة لـ “إسرائيل” التي لم تخسر دولاراً واحداً، ولا جندياً واحداً، بمعنى إنها حاربتنا بأموالنا ورجالنا.
فشل مخططهم في حرب اليمن والعراق وسورية حلحل الكثير من الربطات التي عقدت طوال الفترة الزمنية لتنفيذ هذا المخطط وفك شفرات ألغازها فأصبح التطبيع اليهودي الخليجي بالعلن من خلال الزيارات الثلاث العلنية للثلاثي الخليجي والوقوف “انتباه” تحت “العلم والنشيد الإسرائيلي” الذي سيتبعها المشروع المتمثل بالسكة الحديدية لربط الخليج بـ “إسرائيل” كأحد الخطوط الاقتصادية للتطبيع تمهيداً لتشكيل “الناتو العربي” الذي سيستخدم في نشوب حرب خليجية كبرى مع إيران بحيث تكون أمريكا و”إسرائيل” بعيدةً عن المواجهة المباشرة مع إيران وعدم تجرؤها على ذلك دون الخوف من عواقبها بتذمر وانتفاضة الشعوب العربية؛ ﻷن هذا المشروع لم يحظَ بصدى ولم يجد له حاضنة بين الشعوب العربية حيث إن هذا المشروع سوف يدمر الهوية العربية بالكامل للوصول إلى غايتهم بالشرق الأوسط الجديد الذي استنفذت الحروب كل مقوماته بما فيها دول الخليج.
هذا المخطط بدأت أثاره تنعكس على أمريكا ودول الخليج، والسبب أن شعبية المخطط السعودي الوهابي التسلطي والتكفيري بدأ ينحسر في أوساط الشعوب العربية وشطره إلى معسكرين متمثل بحركة المقاومة المناهضة لأمريكا و”إسرائيل” والذي يحقق حالياً انتصارات على المعسكر “الداعشي الوهابي” في كل من العراق وسورية واليمن مع العلم أن دول الخليج ليست بعيدة عن هذه الانشقاقات، فهي تشهد تفككاً وتصدعاً داخلياً برزت من خلال انعدام الثقة فيما بينهم واتخاذ كل منهم الحيطة والحذر من الآخر حيث ترجمت مظاهرها من خلال إقالة الكثير من الأمراء وتنفيذ عمليات اغتيالات سياسية لوجستية استخباراتية غاية في البشاعة واللا إنسانية والتي كشفت فظاعتها الأسلوب الذي تم به اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي أصاب المجتمعات الإنسانية بالقشعريرة، فلولا الغطاء والحماية الأمريكية وقواعدها العسكرية وجهازها الاستخباراتي المتطور المصاحب لأسلوب الأسرة المالكة التسلطي على رعاياهم لانتفضت عليهم شعوبهم عن بكرة أبيها.
كما أن الأسلوب الأمريكي في التعاطي السياسي مع الدول نتجت عنها مستجدات جديدة على الساحة الدولية تمخضت عنها تأرجح واختلال التوازن في العلاقات الدولية، حيث بدأ التفكير بتبني تكتلات إقليمية تحمل مشاريع بديلة لتقويض هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية للتخلص من رهاب الحظر الاقتصادي الذي تمارسها أمريكا لتركيع الأنظمة وشعوبها.
فإذا تم تنفيذ مشروع “الناتو العربي” كبديل عن الحرب الأمريكية الإسرائيلية المباشرة مع إيران فستنهار دول الخليج بالكامل ويعم فيها الفوضى والنزاعات الداخلية، وسيدفعون ثمن الإرث الإجرامي من الحروب والانقسامات الذي خلفوها في دول الوطن العربي، فكل شعوبها تتعطش للانتقام وهم يدركون ذلك تماماً فليس لها ملجأ سوى الارتماء في أحضان أمريكا و”إسرائيل” كما هو حاصل الآن من خلال التطبيع مع إسرائيل.
أما بالنسبة لإيران فهي قادرة على التكيف مع كل مؤامرة جديدة، وقد اعتادت على ذلك منذ قيام الثورة الإسلامية، وليست الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات ببعيدة عن صلب هذه المؤامرات، فكانت النتيجة اختلافهم فيما بينهم وخروج إيران قوية.