أصول مخفية..؟!
ماهو عدد الذين يعلمون منا أن أحد أهم الفوارق الجوهرية ما بين الاقتصاديات القوية المتقدمة والاقتصاديات الضعيفة المتخلفة، هو الإبداع؟.
قد نجد الكثير يسارع للقول: هذا أمر معروف، لكن هذا الكثير في الوقت نفسه لا يدرك ما يعني الإبداع في قطاع المال والأعمال، وبالتالي النهوض والتطور والتقدم الاقتصادي للدول.
كما لا يدرك أن الإبداع يشكّل أحد الأصول الأهم لرأس المال، وأنه أحد المداخيل المهمّة للإبداع المستقبلي وللمنتجات الإبداعية في المستقبل، وأنه مكوّن أساسي من مكونات رأس المال البشري.
إنه مال مدخر، وبالقياس إلى ذلك، يمكننا اعتبار رأس المال الفكري أفكاراً مدخرة، ورأس المال الإبداعي إبداعاً مدخراً، إلاَّ أنها تبقى رأسمال مخفياً.
قال بيل غيتس من شركة “مايكروسوفت”: إن أصولنا الأساسية، والتي هي برمجياتنا ومهارات تطوير البرمجيات لدينا، لا تظهر على أي جداول رقمية، إذ أنها تبدو غالباً غير ذات معنى من وجهة نظر محاسبية تقليدية بحتة.
أما مدير مجلس إدارة شركة “كوكا كولا”، فكان أكثر وضوحاً حين أكد أن أصولها الفكرية تتمتّع بقيمة رأسمالية أكبر من جميع ما لديها من أراضٍ ومكاتب ومعامل ووسائط نقل ووحدات تعبئة.
وعليه فمن المعروف أن طرائق المحاسبة التقليدية لا تصرح سوى عن الأصول المادية والمالية للشركة، وتتجاهل الموارد الفكرية لكوادرها، وهي تقيس ما لدى الشركة ولا تفلح في تناول ما تعرفه الشركة في حسابها، لذلك أصبح يُشار إلى الأخيرة على أنها الأصول الخفية للشركة، ليتبيّن لاحقاً أن معظم الشركات الكبرى والمشهورة، كانت تقرّر مستقبلها بناءً على أصولها الخفية وليس على أصولها المادية.
والدليل أن القسم الأكبر من الرأس المال المخفيّ، يُحتسب من خلال أسماء الماركات، حيث إن الكثير من الماركات الأولى، والتي كانت تعتمد على اسم التاجر نفسه أو على ظروفه الشخصية، ولا تكلف شيئاً، أصبحت اليوم تساوي المليارات!.
تبياناً لما سبق، قامت شركة “انتربراند” المتخصّصة في مجال الماركات، بحساب اسم شركة “دزني” -الذي كان بالأصل مجانياً- بقيمة 32 مليار دولار، أي ما يشكّل نسبة 61% من إجمالي رأسمال سوق الشركة، والبالغ 52 مليار دولار؛ وقدّرت انتربراند أن 59% من رأسمال السوق لشركة “كوكا كولا” التي بلغت 120 مليار دولار في العام 2004، كانت تعزى إلى اسم الماركة، وبلغت هذه بالنسبة لدى” نايك” 77%.
تتنوّع استراتيجيات الاستثمار، فقد نضع مالاً تحت الفراش ونتغنّى بقيمته وهي تتلاشى أمامنا، أو قد ننفقه أو قد نستثمره على أمل زيادته، وعلى غرار ذلك يمكننا أن نترك رأس المال الإبداعي يرقد في سباته أو ننفقه أو نستثمره.
نختم لنقول: إن مجتمعاً يخنق موارده الإبداعية أو يسيء استخدامها، ويعتمد عقد الملكية غير الصحيح الذي لا يُكتب له النجاح، لكنه إذا استوعب اقتصاد الإبداع الجديد وأحسن إدارته، فإنه يكون قد عمل على تعزيز فهمنا للموضوعات التجارية والإدارية خاصة والاقتصادية عامة، فبحسب الطريقة التي نعامل بها اقتصاديات الأفكار والابتكارات، سيتحدّد تأثيرنا وبوضوح على جميع الجوانب الاجتماعية والثقافية والإيديولوجية والسياسية، وستتحدّد طريقة اتخاذنا للقرارات وللشخص الذي يتخذها.
Qassim1965@gmail.com