دراساتصحيفة البعث

الانســـــحاب

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع: SCF 21/12/2018

أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القوات الأمريكية الموجودة بشكل غير قانوني ودون أي تفويض دولي أو إذن من الحكومة السورية منذ أكثر من أربع سنوات بالانسحاب من سورية.

وقد زعمت واشنطن بأن جنودها وقواتها الجوية موجودان في البلاد لمكافحة الجماعات الإرهابية، إلا أن هذا الادعاء -في ضوء الأدلة الكثيرة على الدعم السريّ لواشنطن للجماعات الإرهابية التي يُفترض أنها تقاتلها- مثير للسخرية، فقد أودت الغارات الأمريكية بحياة آلاف المدنيين السوريين!.

أعلن ترامب أن”الهزيمة التاريخية” للجماعات الإرهابية كانت السبب في طلبه سحب القوات الأمريكية، حيث يدّعي في حديثه المتبجّح وخطبه التي تزيّف العدالة وتهين المعايير والقانون الدولي والأخلاق “النصر”!.

كانت القوات العسكرية ممثلة بالجيش السوري، وروسيا وحلفاء سورية مثل إيران وحزب الله هي من وضعت حداً للجماعات الإرهابية، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة والأنظمة العميلة ودول الناتو تسلّح وتدعم الجماعات الإرهابية التي نشرت الفوضى والرعب في سورية لمدة تصل إلى ثماني سنوات.

ومع ذلك، لا بدّ من الترحيب بحذر بقرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سورية، حيث تصبح الآن الفرصة أكبر للتوصل إلى تسوية سياسية للبلد الذي مزقته الحرب. لكن واشنطن لا تستحق الشكر على انسحاب قواتها المتأخر، على العكس ينبغي أن تواجه يوماً ما العدالة لارتكابها جرائم بربرية في سورية.

يبقى أن نرى فيما إذا كان الجنود الأمريكيون يقومون بالفعل بإخلاء سورية، وتذكر تقارير إعلامية أن البنتاغون يعتزم سحب ما يقرب من ألفي جندي أمريكي خلال الشهر المقبل. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال في مؤتمره الصحافي الدولي السنوي إن ترامب قد وجّه دعوة مماثلة في وقت سابق من هذا العام، إلا أن البنتاغون قد ألغى ذلك. كما أشار بوتين إلى أن واشنطن كانت تتحدث عن سحب قواتها من أفغانستان، إلا أن القوات الأمريكية استمرت  باستعمار الدولة الآسيوية الوسطى منذ ما يزيد عن 17 عاماً بعد أن أمر الرئيس السابق جورج دبليو بوش بغزو العراق عام 2001.

لذا، يبقى أن نرى ما إذا كان إعلان ترامب بشأن سورية هو مجرد حيلة سياسية لاسترضاء قاعدته المحلية، حيث وعد خلال حملته الانتخابية عام 2016 بإعادة القوات إلى الوطن. لذلك يمكن أن تكون خطته للانسحاب هذا الأسبوع “قصة إخبارية طيبة” مخادعة لقاعدته المحلية في فترة عيد الميلاد، والتي قد يتمّ التخلي عنها في الأسابيع القادمة بهدوء.

هناك أسباب وجيهة للشك في خطة انسحاب ترامب من سورية، فلم تمضِ سوى بضعة أشهر على إعلان مستشار الأمن القومي “جون بولتون” ضرورة وجود القوات الأمريكية في سورية ما دامت القوات الإيرانية موجودة هناك، على الرغم من أن القوات الإيرانية موجودة في سورية بشكل قانوني بناء على طلب من الحكومة السورية، كما هي حال القوات الروسية.

الشيء الواحد الذي يبدو واضحاً، أن انسحاب واشنطن من سورية لا علاقة له بالهزيمة المفترضة التي ألحقتها بالجماعات الإرهابية. كيف يمكن أن يقول ذلك بينما كانت واشنطن تعمل لمدة ثماني سنوات باجتهاد وسرية لتحريض هذه الكيانات الإرهابية نفسها؟!.

ومن المفارقات المثيرة للسخرية أن السياسيين في أمريكا وبريطانيا وفرنسا ينتقدون ترامب، قائلين إن “الإرهابيين لم يُهزموا بعد”، على الرغم من أن هذه القوى، إضافة إلى السعودية ودول الخليج الأخرى و”إسرائيل” وتركيا هي من أوجد ودعم الجماعات الإرهابية بهدف تدمير سورية.

هناك قلق من أن الانسحاب الأمريكي قد يدفع بتركيا لتكثيف تدخلها العسكري في سورية ضد الميليشيات الكردية التي  كانت الولايات المتحدة تقوم بحمايتها، وقد نتوقع أن تعمل روسيا وإيران لمنع أي مغامرة لأنقرة.

بشكل عام، يُنظر إلى الانسحاب الأميركي المنتظر من سورية على أنه أمر جيد. لقد حان الوقت لأن تسحب واشنطن وجودها غير القانوني من سورية، وبالتالي يُسمح للبلاد باستعادة السلام الذي افتقدته على مدى السنوات الثماني الماضية.

إن تبجّح ترامب حول “الفوز بالحرب” يثير السخرية. في الواقع، يعتبر صمود سورية هزيمة تاريخية للإمبريالية الأمريكية.