دراساتصحيفة البعث

عاصفة سياسية في واشنطن

ترجمة: هيفاء علي

عن انفيستج اكشن 22/12/2018

أثار قرار ترامب سحب قواته من سورية، البالغ عددها 2000 جندي، معارضة شديدة من قبل البنتاغون والكونغرس وحتى من قبل حلفاء واشنطن في الناتو. وقد تمّ تلقي الأمر الصادر للانسحاب، والذي سرّبته وسائل الإعلام من قبل كبار المسؤولين الإداريين والعسكريين، كترجمة لتغريدة ترامبية قال فيها: “لقد هزمنا داعش في سورية، السبب الوحيد لوجودنا هناك”.

وتلا إعلان البيت الأبيض بيان آخر من البنتاغون  يتناقض بشكل قاطع مع ترامب: “التحالف حرّر الأراضي التي يسيطر عليها “داعش”، لكن الحملة ضده لم تنتهِ بعد وسنواصل العمل مع حلفائنا وشركائنا لهزيمته أينما حل”.

وحسب التسريبات، فإن خطط الانسحاب تنبع مباشرة من اتفاق تمّ التوصل إليه بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي يوم الجمعة الماضي، بعد مناقشة مخاوف تركيا من وجود ميليشيا انفصالية كردية بالقرب من الحدود التركية السورية، إذ تشكّل وحدات حماية الشعب عماد “قوات سورية الديمقراطية”، وهي القوة البرية التي دعمتها الولايات المتحدة في شمال شرق سورية.

وقبل ساعات فقط من إعلان الانسحاب، أطلعت وزارة الخارجية الأمريكية  الكونغرس على صفقة بقيمة 3.5 مليارات دولار لبيع أنظمة صواريخ باتريوت البالستية المصنّعة من قبل شركة رايثيون إلى تركيا. وكانت أنقرة قد أعلنت في وقت سابق عن خطط لشراء أنظمة صواريخ أرض-جو من طراز S-400 من روسيا، وكان من شأن مثل هذا الشراء أن يمنع تركيا من شراء المقاتلات الأمريكية من طراز F-35، ما من شأنه أن يجعل علاقات البلد مع حلف الناتو تصل إلى نقطة الانهيار.

علاوةً على ذلك، قد يمنح الانسحاب الحكومة التركية الضوء الأخضر لإطلاق تهديدها بغزو شرق سورية، وفي غياب القوات الأمريكية، يمكن أن تسعى وحدات حماية الشعب إلى التوصل إلى اتفاق مع دمشق لاستعادة السيطرة على المنطقة من قبل الدولة السورية.

وكان الاحتلال الأمريكي غير الشرعي لشرق سورية بدأ من قبل إدارة أوباما في تشرين الأول 2015 دون إذن من الأمم المتحدة أو الحكومة السورية، وفي عهد ترامب تمّ توسيع هذا الاحتلال، وتمّ نشر 2000 جندي أمريكي على الأقل في شمال شرق سورية، إضافة إلى زرع قوات خاصة بالقرب من الحدود مع العراق والأردن في الجنوب.

في الحقيقة، كان اندلاع ما يُسمّى بالحرب ضد “داعش” في سورية بمثابة نقطة تحول في الإستراتيجية الأمريكية الفاشلة، التي استندت إلى دعم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتنظيم “القاعدة” في حرب دامية وشرسة بهدف تغيير نظام الحكم في سورية. لقد نظمت القوات البرية الأمريكية حملة شرسة من الضربات الجوية والتفجيرات التي دمرت مدينة الرقة وغيرها من المدن بحجة ضرب “داعش”. كما احتل الجيش الأميركي ووكلاؤه المناطق الغنية بالنفط والغاز الطبيعي في شرق سورية، فضلاً عن حدودها الشرقية مع العراق. وبالحفاظ على هذه الهيمنة، كان هدف واشنطن هو منع إعادة توحيد وبناء الدولة السورية التي مزقتها الحرب ومواصلة الصراع المميت إلى أن تحقق “أهدافها الإستراتيجية”.

لكن الإعلان عن الانسحاب أثار انتقادات قوية من الجمهوريين البارزين في الكونغرس الذي بدا وكأنه تفاجأ بتغيير السياسة، ما يُذكر بانتقادات الجمهوريين السابقة لأوباما عند إعلان الانسحاب من العراق عام 2011.  كما فاجأ حلف الناتو أقوى حلفاء واشنطن، حيث أصدر وزير الدفاع البريطاني توبياس إلوود بياناً قال فيه إنه “لا يوافق بشدة” على قرار ترامب.

إن الانسحاب المعلن للقوات الأمريكية من سورية سيؤدي دون شك إلى تكثيف الصراعات الداخلية داخل المؤسسة والدولة في الولايات المتحدة، ولا يعني بالضرورة تقلص الصراع المسلح في المنطقة. مع وجود أو عدم وجود “قوات أمريكية على الأرض في سورية”، فإن عدوان واشنطن العسكري الهستيري ضد إيران وروسيا سيزداد شراسةً.

أياً كانت التبريرات والتفسيرات فإن إعلان الانسحاب الأمريكي من سورية هو هزيمة مدويّة للإدارة الأمريكية وأدواتها وحلفائها.