مغارات رأس السّنة..!
لعلّ الحاجة إلى الكذب على الذّات، أو الخوف من المجهول، أو الهروب من مرارة الواقع، وراء التعلق المشهود بولوج مغارات منجّمي رأس السنة، والخوض في طقوس غيبيّاتهم وما ورائيّاتهم؛ بعدما باتوا قابضين من دون منازع على خُنّاق البثّ المرئي، على مدار ساعات مخاض ولادة السّنة الجديدة؛ من رحم المجّرة، بحثاً عمّا يروي ظمأ رغباتنا الدّفينة، وبما يُلائم أفكارنا وأمنياتنا، ويعكس ما يجيش في نفوسنا، دونما تفكير في تفنيد أكاذيب التّنجيم والأبراج ومدّعي علم الأفلاك وتأثيراتها، ومن دون البحث عن العلاقة السّببية بين جُرمٍ سماوي احتاج ضوءه إلى آلاف السنين ليصل إلينا؛ وبين ما يتبجّحون به من مغالطات بدأت مع اهتمام الإنسان بأبراج السّماء وتقسيمها وتسميتها ومعرفة مواقع الكواكب والأرض منها، وربطها بالتّأثير في حياته، مروراً بأشكال النّجوم ومراقبة اقتران الكواكب بها لدى العديد من الحضارات القديمة؛ شرقاً وغرباً.
بيد أنّ ما يجب ألّا يغيب عن بالنا ههنا: أنّ الأقوام الأولى التي اهتمّت بهذه الأمور الفلكية وافترضت تأثير مواقع النجوم والكواكب، كانت شديدة الجهل بفيزياء الأجرام السّماوية وفي مقدّمها: الأرض والقمر والشّمس، إذ لم تكن تتخيّل حجم تلك الأجرام، وهول المسافات بينها، فضلاً عن جهلهم بكرويّة الأرض ودورانها واعتقادهم بأنّ الأرض مركز الكون!؟، فالجهل يستولد الغموض، ومن ثمّ فإنّ طبيعة الإنسان تدفعه لوضع افتراضات لتفسير هذا الغموض ليُصدّقها تالياً!.
والسّؤال الذي يتوجّب أن نطرحه على أنفسنا: هل من اللّائق بعقولنا الاستماع إلى: أنّ ثمّة كوكباً يحكم العقل والفكر، وكوكباً آخر يرتبط بالأخلاق، وكوكباً ثالثاً يربط المولود بمجتمعه أو بذاته، أو أن موقع ذلك الكوكب يُنبئنا بزلزال أو انفجار أو هبوط أو صعود في أسعار البورصة؟ إلى آخر هذه التّرّهات ومصفوفات الجهل التي تُغذّيها بكل أسف: محطات تلفزيونية كثيرة، تجاريّة الهدف، تسوّق فيها لأشخاص يربطون أسماءهم بعلم الفلك! ويُحدّثون الناس عن حظوظهم وعلاقاتهم ومستقبلهم، ويجيبون عن أسئلة المشاهدين فيتوقعون لهم الصّحة أو الاعتلال، والنّجاح أو الإخفاق في الصّفقات، والاتفاق أو الشّقاق مع الشّريك، كلّ ذلك بناءً على يوم مولد السّائل، وقد تمتد توقّعاتهم لتشمل تنبّؤات اقتصادية وسياسية وبيئيّة! على مستوى المجتمع أو الدّولـة أو الإقليم أو العالم كلّه..! زاعمين أنّهم يستندون إلى حسابات فلكية؟!.
وإلى متى سنبقى؛ ولاسيّما صُنّاعُ إعلامنا وقادة الرّأي منّا؛ شهوداً سلبيّين، منفعلين؛ لا فاعلين؛ في مشهد يتكرّر مع نهاية كلّ عام؛ ويتجاوز فيه معتركُ التّنجيم التّلفزيوني مبدأ التّخمين والتّوقّع؛ إلى حدود التّحديد والتّسمية؟! بكلّ ما فيها من ضروب العبث بالمصائر الجمعيّة أو الشّخصية! ويغدو مثار توجّس، ومبعث قلقٍ وخوفٍ لدى العامّة؟!.
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com