التسويف في التسويق!
مازال التسويق الذي يرجوه المنتجون الزراعيون، رهن وعود تتكرّر، يندر أن ترافقت ببعض الوفاء المأمول منها، وليس موسم الحمضيات هو الموسم الوحيد الذي يشكو من ذلك بل مواسم أخرى ومنها موسم البطاطا الصيفية، الذي بيع الكيلو منه بحدود /50/ ل.س، ما أوقع آلاف المزارعين في خسارة كبيرة، واليوم يعيش منتجو الحمضيات أزمة تسويق موسمهم التي تتكرّر لهذا العام، فالأسعار التي يتقاضاها المزارع تكاد لا تقارب تكلفة الجني والنقل، فكيف بتكلفة الإنتاج؟!.
كان من المأمول بل والمتوجب، أن تكون الجهات المعنية قد أعدّت واستكملت التحضيرات اللازمة لتسويق موسم هذا العام منذ بدايته، مستفيدة من قصورها في ذلك خلال الأعوام الماضية، ولكن الذي اتضح أن لا أساس لهذه التحضيرات، رغم مضي قرابة شهرين على بدء جني الموسم لأغلب الأنواع، ما استدعى أن يتمّ طرح الموضوع، خلال اجتماع السيد رئيس مجلس الوزراء مؤخراً مع المحافظين والوزراء المعنيين، ما أسفر عن إقرار تخصيص سيارات تابعة لوزارة النقل ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لنقل الحمضيات مجاناً من أماكن زراعتها إلى المحافظات الشمالية والشرقية، وإعفاء الحاويات المعدّة للتصدير من أية رسوم، والاستمرار بتقديم الدعم المقرر لكل حاوية تصدير الحمضيات بمبلغ /١٦٠٠/ دولار، ولكن لم تتم ترجمة ذلك ميدانياً حتى تاريخه!.
منذ عقود عدة أعطت السلطات المعنية لقب “استراتيجي” لبعض المحاصيل الزراعية، وتولت الاهتمام بزراعتها وتصنيعها وتسويقها، نظراً لحجم إنتاجها أو لأهميتها، ومنها القمح والقطن والتبغ والشوندر السكري، وتعدّ سنوياً دراسات إحصائية للمساحات المزروعة والإنتاج المتوقع، ولكن العقود التالية أسفرت عن ضخامة إنتاج محاصيل جديدة، لا تقل أهمية عن تلك، وسورية تحتل مرتبة عالمية متقدمة جداً في إنتاجها، ومنها الزيتون الذي قارب إنتاجنا منه المليون طن، والحمضيات التي زاد إنتاجنا منها عن المليون طن، والزراعات المحمية ومحاصيل أخرى يزيد إنتاجها عن حاجة الاستهلاك المحلي، ما يوجب أن تعمد الدولة لتصنيف هذه المحاصيل ضمن خانة المحاصيل الإستراتيجية وتعدّ دراسة إحصائية عنها، وتهتم بتسويقها وتصنيعها، خاصة وأن الزيتون والحمضيات حاجة يومية لكل مواطن، ما يجعل من غير المقبول أن تهمل ذلك وتثبط آمال المزارعين، الذين اندفع بعضهم لقلع الكثير من هذه الأشجار وبيعها حطباً، لأن سعر كيلو الحطب قارب سعر كيلو المنتج.
فإن كانت الجهات المعنية (مشكورة) قد طرحت شعار زراعة كل شبر أرض، وأحدثت صندوق الكوارث لإحصاء الأضرار الزراعية التي تسبّبها الطبيعة وتقديم العون للمتضررين، من الميزانية السنوية المخصّصة لذلك كل عام، هل من الجائز التغاضي عن تعريض المنتج الكبير الحاصل إلى الهلاك، بسبب فقدان سياسة تسويقه، فأين مكاتب التسويق الموجودة في اتحاد الفلاحين ووزارة الزراعة ومئات المختصين في التسويق الذين كثير منهم أوفدوا بعثات على حساب الدولة، أين عشرات كليات الاقتصاد في الجامعات الرسمية والخاصة من اشتراكها أو إشراكها في معالجة هذه الظاهرة؟!.
فمن غير الجائز المزيد من التسويف بتقاذف التهم بين الجهات المعنية، فأين الدور التسويقي المتوجب أن يكون في المقدمة عبر التعاون ما بين غرفة الزراعة واتحاد الفلاحين ووزارة الزراعة ووزارة الإدارة المحلية الموجودة على كامل ساحة القطر، لماذا لم يتم اعتماد تشكيل لجنة تسويق مركزية من هذه الجهات مرتبطة مع لجان فرعية لها في كل محافظة وكل منطقة، تتولى تنظيم العملية التسويقية للمنتجات الزراعية، داخل كل محافظة وبين محافظات القطر وتصديراً إلى الخارج، بالتنسيق مع اتحاد المصدّرين ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، على أن تكون هذه اللجان معنية بمعرفة المساحة المزروعة من كل محصول والإنتاج السنوي المتوقع وتحديد حاجة المحافظة منه وتقدير حاجة باقي المحافظات، والإعداد لتصنيع الفائض، وتصدير الفائض المتبقي إلى الخارج؟!.
أين الجهات الرسمية والمجتمع المحلي من دوره في تشجيع استهلاك المنتج الوطني الطازج بدلاً من استهلاك المنتج الخارجي المصنّع، وأين الجهات المعنية من دراسة واقع مصانع المياه الغازية الشائعة الاستهلاك، والمثبت ضررها الصحي وتحويلها إلى مصانع تخليل وعصير لفواكهنا وخضارنا، ذات القيمة الصحية والعلاجية.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية