مشروع واحد كل فصل وتشدد في إلغاء الوظائف المنزلية المناهج المطورة تصطدم بعقلية المدرس والمكتبات تصطاد بالماء العكرة
ماتزال هناك فجوة بين المناهج المطورة وعقلية المدرسين باستثناء جزء واكب التطور الحاصل من خلال تجسيد التطوير في الحقل التدريسي، ولاسيما أن المناهج الحديثة ربطت التعلم باكتشاف المهارات وتمكين المتعلم من تحقيق متطلبات المجتمع ومواكبة التطور العلمي وفق قدراته ومهاراته، إلا أن هذا التطوير اصطدم بعقلية المدرس الذي يصر على التلقين والحفظ وعدم تطبيق أسس التعلم الحديث، فمن يتابع يوميات الدراسة والمدارس يظهر له جلياً غياب الرغبة عند البعض في مواكبة التطور العلمي، وما زاد الطين بلة هناك من فهم تطوير المنهاج على طريقته، فعندما تدخل وزارة التربية اكتشاف المهارات والمشاريع إلى محصلة الطالب من أجل تطوير مهاراته وما لديه من قدرات إبداعية، وذلك من خلال تنفيذ مشاريع دراسية يتم اختيار عناوينها ومواضيعها من المعلم، لتبدأ “إبداعات” المدرسين وبحرف البوصلة والخروج عن النص بطلبات وشروط لا منهجية، وفرض على الطالب نوعية الكرتون وحجم المشروع والصور، الأمر الذي لم يلقَ استحساناً عند الأهل الذين أصبحوا يعتمدون على المكتبات في إنجاز المشاريع المطلوبة لتستغل هذه المكتبات الموضوع والتركيز على المشاريع الجاهزة والتي تراوح أسعارها من 2 إلى 6 آلاف ليرة حسب نوع المشروع والمرحلة التعليمية، علماً أن هذه المشاريع تتجمع في غرفة من المدرسة أو ترمى في القمامة وذلك حسب ما كشفت إحدى الإداريات في المدارس، حيث تمتلئ غرفتها بالمشاريع الطلابية، مستغربة الكم الكبير من المشاريع وإصرار المعلمين على طلب المشاريع بهذه الطريقة التقليدية، التي لا تقدم الفائدة المرجوة منها للطالب كون أغلب الطلاب يعتمدون على الأهل في إنجاز المشروع، إضافة إلى الاعتماد على المنهج السلوكي التلقيني؛ مما يخالف المناهج المطورة وفقاً لرؤية وزارة التربية التي أكدت على الابتعاد عن الأسلوب التلقيني في التعليم، وعدم الاقتصار على الاختبارات الكتابية.
تطوير نظام التقويم
وكانت وزارة التربية قد ركزت على دور المتعلم بالأنشطة والتجارب العملية، حيث تم تطوير نظام التقويم بتوزيع درجة الأعمال للطالب وفق التالي: 10% للشفهي و10% للوظائف وأوراق العمل، و20% للنشاطات والمبادرات، و20% للمذاكرة، و40% للاختبار الفصلي. وشددت التعليمات على أن النشاطات هي كل ما يقوم به المتعلم خلال الموقف التعليمي من تفكير أو سلوك داخل المدرسة أو خارجها، أما المبادرات فهي أن يقترح المتعلم أو مجموعة من المتعلمين أمراً أو فكرة جديدة تخدم تحقيق أهداف المنهاج، إلا أن الفهم الخاطئ للمناهج الحديثة أربك الأسرة لتزيد همومهم هماً جديداً يضاف إلى معاناتهم مع الدروس الخصوصية التي أثقلت كاهلهم، لتأتيهم مشكلة أعباء وتكاليف المشاريع المطلوبة مع إرهاق التلميذ بزيادة عدد الوظائف المنزلية التي تتطلب وقتاً كبيراً لحلها؛ ما جعل الأهالي يتذمرون من هذه المناهج محملين المسؤولية للمطورين، حيث عبر الأهل عن استيائهم من طريقة طلب المشاريع وتحديد نوع الورق والكرتون، مطالبين بمشروع واحد فقط كل فصل على الأقل، علماً أن بعض المدارس تطلب كل أسبوع مشروعاً؛ مما جعل أبناءهم يهتمون بالمشاريع أكثر من واجباتهم ودروسهم الأساسية، ليضيفوا أنهم من يشتغلون أغلب المشاريع المطلوبة وخاصة بالنسبة للصفوف الابتدائية. لتؤكد الخبيرة التربوية علا سلمان أن المشاريع المطلوبة أتت لإثراء المحتوى العلمي للتلاميذ بالمهارات الحياتية وما يتعلمه التلميذ في بيئته مع والده ووالدته ومعلمه وزملائه وفي السّوق مع رفاقه، مشددة على أهمية تنمية مقدرته على التعامل مع أكثر من مجرد الورقة والقلم، بل بتدوير أدوات البيئة والاستفادة منها بما يعود بالنفع والفائدة. والتفكير والمحاولة وفرحة الإنجاز وليست الغاية من ولي التلميذ أن يعمل المشروع بيده، ولا أن يشتري لوحة معدة ليتميز الولد عن زملائه بمقدرة والده المادية.
اتركوهم يعملون
وأشارت إحدى مديرات المدارس إلى ترك الأبناء يعملون بأيديهم وحسب مهاراتهم، علماً أن علامة المشروع توضع للتلميذ الذي حاول أن يتواصل مع زملائه لإنجاز المشروع بأدواته البسيطة، ويكون المعلّم داعماً وموجهاً، وهنا تبرز الفروق الفردية للتلاميذ، مؤكدة أنه لا علامة لمن تقدم بمشروعٍ جاهزٍ دون أن تلمسه يداه، ليشاطرها الرأي مدير المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية الدكتور دارم طباع، مؤكداً أن المشاريع تهدف إلى تنمية قدرة الطالب على الاكتشاف والبحث العلمي، إضافة إلى تنمية ثقته بنفسه وبقدرته على تحمل المسؤولية وإنجاز المهام الموكلة إليه، كما تسهم في زيادة المعارف العلمية والثقافية والفنية، وأيضاً تساهم في تصحيح المفهوم الخاطئ للإنترنت واستخداماته التي تقتصر على الألعاب الإلكترونية عادة، وإعادة توجيه أطفالنا للاستخدامات المفيدة للإنترنت.
ورشات ودورات
وكشف طباع عن فهم خاطئ لبعض المدرسين لمضمون المناهج المطورة رغم التدريب والورشات العديدة والدورات التدريبية المتبعة من المدرسين، حيث وصل عدد المتدربين على المناهج إلى 75 ألف مدرس ومازالت الدورات مستمرة، لافتاً إلى أن المطلوب من الطالب هو مشروع واحد فقط لمادة واحدة هو يختارها بما يناسب ميوله ورغباته وقدراته والتوجيهات في كل فصل لتنفذ هذه المشاريع في المدرسة.
واعتبر طباع أن مشروعاً واحداً لا يشكل أي عبء، بل يسهم في زيادة الشغف والاندفاع عند الطالب وخلق روح المنافسة، للمشاريع أهمية كبيرة وممكن استخدامها كوسيلة تعليمية تساعد المعلم والمتعلم في تبسيط المعلومة والتوسع بها أيضاً بطريقة محببة لهم، كما تساعد المشاريع في خلق حافز للمعلم قبل الطالب للإبداع من خلال طلابه والوصول بهم إلى التميز من خلال كسر النمط التقليدي للتعليم والخروج عن المألوف.
مراعاة القدرات
وشدد طباع على إلغاء الوظائف المنزلية وفق المناهج المطورة، حيث يبقى المنزل للدراسة وتقديم ورقة عمل من الطالب ليس أكثر، ولاسيما أن الوظائف يجب حلها أثناء الحصص الدرسية بإشراف المدرس والتركيز على تنمية المهارات لدى الطالب، ولاسيما زمن التلقين والحفظ انتهى مع تطوير المناهج، مشيراً إلى أن تطبيق المهارات سينعكس على مخرجات التعلم ليتحقق تطوير التعلم على المدى البعيد، وكذلك أنشطة المهارات الحياتية فيها متعة للمتعلم لأن تنفيذها يكون بشكل تعاوني، وأكد طباع حرص الوزارة على مراعاة المناهج المطورة لقدرات المتعلمين الذهنية والمهارية لخلق جيل نشط وخلاق وقادر على الدخول بفعالية ضمن سوق العمل، وله القدرة ولديه الإمكانات الكافية لتلبية متطلبات المجتمع، معتمداً التحليل العلمي في معالجة مشكلاته في سبيل اتخاذ القرارات المدروسة لحل هذه المشكلات، مضيفاً أن تطوير المناهج يعتمد على أحدث الأسس في التعلم الذي يتيح المجال لمراعاة أنماط التفكير المتنوعة، والذكاءات المتعددة، باستعمال أفضل مهارات التواصل، وأنماط التعلم، مستفيدين من برامج العمليات المعرفية كالمقارنة والتصنيف والاستنتاج، وبرامج العمليات فوق المعرفية كالتخطيط والمراقبة والتقييم، وبرامج التعلم بالاكتشاف.
تفعيل الدورات
آخر القول لابد أن نؤكد على أهمية الدورات التدريبية المتبعة وتفعيلها بشكل يضمن الغاية المرجوة منها، وأن يكون التدريب حقيقياً لا مجرد تكليف وتسجيل حضور من أجل قبض المستحقات المالية، فعلى وزارة التربية التدقيق ومتابعة هذه الدورات ومخرجاتها، ولاسيما أن التدريب للأطر التعليمية يضمن التفاعل الإيجابي للمدرس مع المنهاج، لأننا في عصر التحولات العلمية وعلينا الإتيان بكل جديد والابتعاد عن الأساليب التقليدية، فإذا امتلك المدرس مهارة استعمال الاستراتيجيات الحديثة، واستثمار التكنولوجيا فهذا سيخلق تفاعلاً إيجابياً بين الطالب والمدرس.
علي حسون