قرارات وتعليمات تتبخر بالخروقات والتجاوزات تحويــل الاختصاصييــن إلى أعمــال إداريــة يضــر العمليــة التربويــة ويزيــد أوجــاع المـــدارس
قرارات وتعليمات تصدر بالجملة تحمل في مضامينها التقيد وتحديد الأسس لحسن الأداء، إلا أن العبرة ليست بالكثرة بل بمدى الالتزام والتطبيق في الواقع، فمن يتابع ما يصدر عن وزارة التربية من تعليمات وقرارات ملزمة تؤكد جدية أصحاب القرار في الحفاظ على حسن سير العملية التربوية، ولاسيما فيما يتعلق بتحويل المدرسين إلى أعمال إدارية، فمع بداية كل عام دراسي تطلب التربية من مديرياتها التقيد بالشروط والأسس المحددة لتحويل المعلمين والمدرسين إلى أعمال إدارية بسبب أوضاعهم الصحية، على أن تنظم دراسة الطلبات لتحويلهم إلى أعمال مناسبة لأوضاعهم الصحية في إطار الحفاظ على المدرسين الاختصاصين وسد الشواغر، إلا أن التعليمات تتبخر في مكاتب التنفيذيين بالمديريات والجهات المشرفة عبر مخالفة التعليمات وتحويل مدرسين إلى عمل إداري، وما يزيد الطين بلة عندما يتحول مدرس اختصاص “رياضيات –عربي – لغات” إلى أمين سر أو أمين مكتبة أو حاسوب أو أي عمل مكتبي آخر مبتعداً عن التدريس، ليترك مكانه شاغراً أو يأتي وكيل أو مكلف لتبدأ حالات النقص في المدارس ومعاناة الأهالي وأبنائهم الطلاب، حيث يستغرب خبراء تربويون الاستغناء عن مدرس مادة اختصاصية بهذه السهولة وخاصة في ظل ما تعانيه مدارسنا من نقص للمواد الاختصاصية.
وعود بلا تنفيذ
ولم يك الاستغراب وحيداً من الخبراء، بل يستهجن هكذا مخالفات تربوية مديرو المدارس الذين ما إن سنحت لهم فرصة للقاء الأهالي ليكشفوا عن أوجاعهم التربوية ومشكلة النقص وقلة المدرسين رغم مطالبتهم لمرات عديدة بترميم النقص ورفد مدارسهم بالمدرسين، ولاسيما مع المسابقات الأخيرة التي استبشروا خيراً منها، حسب ما أوضحه بعض مديري المدارس في حديثهم “للبعث”، واعتبرت إحدى مديرات المدارس أن الوعود الكثيرة من قبل المعنيين في سد الشواغر من الناجحين في المسابقتين الأخيرتين لم يتحقق حتى الآن، علماً أن أعداداً كبيرة من المدرسين نجحوا وتم تعيينهم حسب ما يرد من الوزارة، ليؤكد خبير تربوي على غياب التوزيع الصحيح للمدرسين الناجحين، إضافة إلى الخروقات والتجاوزات في تحويلهم إلى أعمال إدارية نتيجة العلاقات والمصالح، ما يسبب خللاً في سير العملية التربوية ويدفع الأهالي إلى اللجوء للمدارس والمعاهد الخاصة خوفاً على مستقبل أبنائهم.
التشدد بالحالات
وللمصداقية الإعلامية أكد أحد مديري المجمعات التربوية أن هناك استجابة سريعة من التربية وخاصة فيما يتعلق بسد النقص وحل المشكلات الإدارية وفق الإمكانات المتاحة، في الوقت الذي لم يخفِ أحد الإداريين التربويين أحقية أي مدرس أو مدرسة بالتحويل إلى عمل إداري ولكن ضمن شروط، أهمها عدم التأثير على حسن سير العملية التربوية وخاصة المدرسين الاختصاصين، معتبراً أن المديريات تتحمل المسؤولية الأكبر في أي خلل بتوزيع المدرسين وملء الشواغر، وطالب الإداري التربوي بالتشديد على الحالات المحددة بالشروط الصحية، علماً أن هناك إعادة التقييم مرة ثانية لمن كلف بالعمل الإداري لأسباب صحية ومضى على تكليفه خمس سنوات، وذلك بعد استعانة اللجان المكلفة بذلك برأي الأطباء الاختصاصيين ودراسة حالات المرضى المحالين ورأي المشافي التابعة لوزارتي الصحة والتعليم العالي بدمشق أو أي جهة تراها اللجنة مناسبة، على أن تحال الطلبات المقبولة إلى مديريات التربية وتوضع تحت تصرف مدير التربية لإيجاد المكان المناسب لمن تنطبق عليهم شروط وأسس التحويل إلى عمل إداري، داعياً القائمين في وزارة التربية لوضع شروط قاسية على من ينجح في مسابقة المدرسين الحالية بعدم التحويل إلى الأعمال الإدارية إلا بشروط صحية والمنصوص عنها في القرارات الوزارية.
شروط صحية
وبيّنت الدكتورة هتون الطواشي مديرة الصحة المدرسية في وزارة التربية أن تحويل المعلمين والمعلمات إلى عمل إداري يخضع لشروط يجب أن تتوافر في المعلم أو المعلمة ليتم تحويلهم إلى عمل إداري حسب أوضاعهم الصحية، موضحة أنه يتم تحويلهم إلى مديرية الصحة المدرسية “اللجنة الطبية المركزية بدمشق” من خلال اللجان الطبية الفرعية في مديريات التربية، وقد حددت الأمراض التالية لتحويل المعلمين والمعلمات إلى عمل إداري وهي: الأورام والأمراض العضال – اعتلال عضلة القلب– ضعف البصر الشديد أو العمى– ضعف السمع الشديد أكثر من 60% بالأذنين أو الصمم التام بإحداهما– أمراض الحنجرة المزمنة– التشوهات الواضحة– الأمراض النفسية الشديدة، والتي تحت العلاج منذ أكثر من عام. إضافة إلى الاعتماد بشكل رئيسي على الفحص السريري من قبل أطباء اللجنة المركزية للمتقدمين إلى العمل الإداري. واشترطت وزارة التربية أن يكون مضى على تعيين من يرغبون بالتحويل إلى عمل إداري 10 سنوات خدمة فعلية، ويستثنى من شرط مدة الخدمة المصابون بالأمراض العضال فقط وعليه إرفاق الوثائق التي تثبت المرض.
الحد من الإداريين
ومع هذه الشروط وتشديد الوزارة عليها من خلال توجيه مديريات التربية في المحافظات بالتقيد وفق الشروط يوضح مدير تربية ريف دمشق ماهر فرج أن هناك معايير وشروطاً للتكليف بالعمل الإداري، من أبرزها ألا يؤثر تكليف المدرس بالعمل الإداري على سير العملية التدريسية وعلى مصلحة الطلاب ويشترط في حال توفر الشاغر أن يتوفر البديل من داخل الملاك، مشدداً على عدم تكليف المدرس بعمل إداري، إلا إذا كان هناك وفرة بالمدرسين في منطقته، وغالباً يكون حاصلاً على موافقة وزارية للإحالة إلى عمل إداري نتيجة وضع صحي بعد عرضه على اللجان الطبية المتخصصة.
وأكد فرج حرص مديرية التربية بشكل دائم على سد الشواغر التدريسية وأحياناً يتم إسناد حصص شاغرة للمدرسين المكلفين بالعمل الإداري، لافتاً إلى أنه في المسابقة الأخيرة تم قبول عاملين من الفئة الأولى اختصاص تخطيط وإدارة لتكليفهم بأعمال إدارية وبالتالي الإسهام بالحد من تكليف المدرسين المختصين.
بعد تأكيد المعنيين على تطبيق القرارات والتعليمات والتشديد على عدم تحويل إلى أعمال إدارية إلا مع وجود الوفرة من المدرسين، إضافة إلى تعيين أغلب الناجحين في المسابقة، ليبقى السؤال المحير لكل متابع للشأن التربوي أين الخلل؟ ولماذا تعاني مدارسنا النقص؟! وهل تعدد الجهات المعنية بالإشراف على العملية التربوية يشكل حالة صحية لضمان حسن سير العملية التربوية والتعليمية ولاسيما بعض الخروقات تأتي من هنا وهناك.؟!
علي حسون