تقرير إخباري أمريكا وقوانينها العقابية
في سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة، تفرض الولايات المتحدة باستمرار عقوبات من جانب واحد على أطراف أخرى، وبذلك تصبح أكثر فأكثر من مثيري المتاعب للبلدان الأخرى وأيضاً للشركات غير الوطنية. ففي حالة العقوبات المفروضة على إيران، على سبيل المثال، وبعد أن توصّل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالفعل إلى اتفاق معها، أعلنت إدارة ترامب أنها ستلغي الاتفاق لتجديد العقوبات على إيران.
حوادث من هذا النوع تخضع عالم الأعمال لعدم الاستقرار من حيث صنع القرار، وهنا تحاول واشنطن، مسترشدة بعقيدة “أمريكا أولاً”، على نحو أكثر من أي وقت مضى الإضرار بمصالح الدول الأخرى، واحتكار السلع العامة الدولية من خلال التشريعات المحلية.
وباسم القانون والنظام، أصبحت الولاية القضائية الواسعة للولايات المتحدة نرجسية، فقد أجبرت الشركات والأفراد غير الأمريكيين على التعامل مع القوانين الأمريكية، كما لو كانت قوانين دولية، وإلّا لن تعتبر تعاملاتهم التجارية “قانونية” أو “متوافقة مع الأنظمة” من قبل الولايات المتحدة، أي أن الولايات المتحدة تستخدم “القانون” لإعلاء مصالحها في الخارج، ما يجبر الدول الأخرى على العمل وفقاً للقواعد الأمريكية من خلال التشريعات المحلية.
السؤال عندئذ: كيف يمكن وضع حد لهذا؟ كان رد الاتحاد الأوروبي هو “حظر القوانين” لحماية الشركات والأفراد في الاتحاد الأوروبي من العقوبات الأمريكية الأحادية. وبعبارة أخرى، إذا كانت العقوبات الأمريكية تضر بمصالح الاتحاد الأوروبي، فإن الأخير سوف يحمي الشركات الأوروبية من خلال سلطة المحاكم.
وليست أوروبا وحدها، فها هي الصين تعاني أيضاً من “الولاية القضائية طويلة الذراع” للولايات المتحدة ، كما هو الحال في قضايا “هواوي” وشركة “زي تي إي” الصينية هذا العام. وبالنظر إلى رد الاتحاد الأوروبي، قد تنظر الصين كذلك في تبني “قوانين حظر” تجعل الشركات الصينية محصّنة ضد العقوبات الأمريكية الأحادية التي تستهدف دولاً أخرى. وإذا عانت الشركات أو الأفراد الصينيون من خسائر “بانتهاك” هذه العقوبات، فإنهم قد يقاضون ويطالبون بتعويضات من الأطراف التي تسببت في الخسائر في المحاكم الصينية، وسوف تقدّم الحكومة الصينية يد المساعدة عند الضرورة.
وعلى غرار الاتحاد الأوروبي، ستكون “قوانين الحظر” الصينية محدودة، وستتخذ تدابير دفاعية سلبية لحماية مصالحها الخاصة، وقد تصمم لحماية الشركات الصينية من الوقوع ضحية الولاية القضائية الأمريكية الواسعة. وفيما يتعلّق بالعقوبات متعدّدة الأطراف التي تؤكدها الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة صاحبة الشأن، فإن الحكومة ستطلب من الشركات الصينية والشعوب أن تحترم بأمانة هذه الأحكام.
إن الروح التشريعية وراء “حظر القوانين” واضحة تماماً، فهي تنفي قابلية تطبيق القوانين الأمريكية الأحادية على الشركات العاملة في الدول الأخرى، وتلغي صلاحية مثل هذه القوانين من خلال التشريعات، وتحمي الحقوق والمصالح القانونية للشركات والأفراد في الخارج. ومثل هذه القوانين ستبعث برسالة واضحة إلى العالم، وتزيد الثقة في الشركات الصينية والأفراد في الأسواق الدولية. لجعل مثل هذه القوانين أكثر فعالية، ولهذا يجب على الصين زيادة المشاركة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجال تطبيق القانون.
حقيقة، الولايات المتحدة ليست شرطي العالم، وليست قاضياً عالمياً وهيئة محلفين، ويمكن أن يشكل “حظر القوانين” بداية للدول لإنقاذ العالم من أن تصبح خاضعة للنظام القانوني الأمريكي، وتحافظ على توازن القوى في مجال القانون الدولي.
عناية ناصر