كوبا: أمريكا اللاتينية لن تكون حديقة خلفية لواشنطن
لعل العلامة الفارقة التي تميّز عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هي أن سياسة العقوبات التي اعتادت واشنطن على ممارستها لإخضاع خصومها في العالم لم تعُد تجدي نفعاً، بل جاءت بنتائج عكسية بعد أن اتّسع المحور الرافض لها في العالم ابتداء من كوريا الديمقراطية والصين شرقاً مروراً بسورية وروسيا وإيران ووصولاً إلى فنزويلا وكوبا غرباً.
هذا ما جاء على لسان الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، الذي أدان التدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية، مؤكداً أن أمريكا اللاتينية لا يمكن أن تصبح مرة أخرى الحديقة الخلفية لأمريكا.
كانيل أعرب في تغريدة له على تويتر عن دعمه للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وحكومته في مواجهة التدخلات من بعض الدول التي تحاول زعزعة الاستقرار في فنزويلا.
وجاءت هذه التصريحات بعد أن قام عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات في أمريكا اللاتينية بالتعبير عن دعمهم للرئيس الفنزويلي ضد البيان التدخلي الصادر عن مجموعة ليما المؤلفة من بعض الدول في أمريكا اللاتينية وكندا والذين يروّجون لفكرة الانقلاب في فنزويلا.
وكان مادورو أعلن الشهر الماضي عن وجود خطط تدبّرها واشنطن لإحداث انقلاب حكومي في فنزويلا، قائلاً: إن “محاولة بدأت بالفعل بتنسيق من البيت الأبيض لعرقلة الحياة الديمقراطية في فنزويلا وتنفيذ انقلاب ضد النظام الديمقراطي الدستوري في بلدنا”.
إلى ذلك اتهم وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز بارييا الإدارة الأمريكية بالسعي لانتهاج المزيد من الأعمال العدائية ضد الشعب الكوبي، مؤكداً أن واشنطن تهدف إلى تطبيق الحصار الأمريكي المفروض على بلاده بطريقة أكثر عدوانية خارج نطاق أراضيها وخلق عقبات لقضايا مثل التعويض الاقتصادي المعلق بين البلدين.
واستنكر بارييا، في مداخلة له في برنامج الطاولة المستديرة على التلفزيون الكوبي، التلاعب السياسي في الحوادث الصوتية المزعومة التي تحدّث عنها دبلوماسيون أمريكيون في السفارة الأمريكية في هافانا، موضحاً أن بلاده أظهرت استعدادها التام للتعاون في التحقيقات، لكن هذه القضية لا تزال مستمرة رغم أن الحكومة الكوبية لم تتلقَّ أي دليل علمي حول هذه الحوادث.
ونفت كوبا مراراً شنّ أي هجوم صوتي على السفارة الأمريكية حيث تدّعي الحكومة الأمريكية أنه أصاب دبلوماسييها في هافانا بصداع وغثيان.
من جهة ثانية، أكد الوزير الكوبي أن أكثر من 700 ألف مواطن أمريكي زاروا هافانا خلال عام 2018 على الرغم من القيود المفروضة بسبب الحصار الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على هافانا، مشيراً إلى أن مثل هذا الرقم يدلّ على أن الأمريكيين يدركون بشكل متزايد أن هناك ضمانات لسلامتهم في كوبا.
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن بعد وصوله إلى البيت الأبيض قبل عامين عن اتباع نهج أكثر تشدّداً تجاه كوبا، وأكد أنه يعتزم الإبقاء على القيود المفروضة على هافانا، وذلك في إطار تدخلات بلاده غير القانونية في شؤون الكثير من الدول في أمريكا اللاتينية ومنها فنزويلا، لفرض الهيمنة والسيطرة على مقدّرات هذه الدول واستهداف النهج التحرري فيها.
وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على سبعة أشخاص وعدد كبير من الكيانات الأخرى بسبب خرقهم العقوبات المفروضة على فنزويلا.
وقد أدانت نائبة الرئيس الفنزويلي دلسي رودريغيز الحصار الاقتصادي المفروض على فنزويلا، وأكدت أن العقوبات المفروضة على بلادها غير شرعية.
في الأثناء، حذّر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف مَن وصفهم بـ”الرؤوس الحامية” في واشنطن، من مغبّة اعتماد الخيار العسكري في التعامل مع فنزويلا، وتابع: إن “محاولة اللجوء إلى القوة كانت ستمثل تطوراً كارثياً”، مضيفاً: “نحذر الرؤوس الحامية في واشنطن من مغبّة الانصياع لمثل هذه الإغراءات”.
وقبل أيام عقد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو اجتماعات مع العديد من المسؤولين في أمريكا اللاتينية، بينهم رئيس كولومبيا إيفان دوكيه، ووزير خارجية البيرو، لتشديد الضغط على كراكاس بهدف “إعادة الديمقراطية إلى فنزويلا” على حدّ زعم واشنطن.
وفي سياق آخر، وردّاً على محاولات واشنطن المتكرّرة قيادة حملة منظّمة في الغرب لشيطنة روسيا وإثارة العداء لها في العالم، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن الموقف “غير الودي” تجاه روسيا لا يزال يسيطر على مراكز القرار في الولايات المتحدة، في الكونغرس وفي مجلس الشيوخ ووزارة الخارجية.
وشهدت العلاقات الروسية الأمريكية تدهوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة على خلفية سعي الأمريكيين إلى الهيمنة على العالم وخرق القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول بهدف تغيير الأنظمة التي لا تتوافق سياساتها مع السياسات الأمريكية ورفض روسيا لذلك.
وعلّق بيسكوف على ما يُشاع في بعض العواصم الغربية حول مسوّغات اعتقال الأمريكي بول ويلان الذي يحمل بضع جنسيات غربية أخرى، بتهمة التجسس في موسكو، قائلاً: “روسيا تتخذ إجراءاتها لمكافحة التجسس ضدّ من تشتبه بتورطهم في أنشطة تجسسية، هذا صحيح، ويتم بشكل منتظم، لكن أحداً في روسيا لا يستخدم إطلاقاً هؤلاء الأشخاص بيادق في اللعبة الدبلوماسية”.
وكان وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت قد حذّر روسيا من استخدام ويلان فيما وصفه بـ”لعبة مناورة”، قائلاً: “لن نقبل باستخدام أشخاص في لعبة شطرنج دبلوماسية”.
من جهة ثانية شدّد بيسكوف ردّاً على مزاعم صدرت عن الكيان الإسرائيلي عن احتمال تدخل روسيا في انتخاباته المزمعة في نيسان المقبل، على أن بلاده لم ولا ولن تتدخل في أي انتخابات في أي مكان في العالم.