التأمين الصحي يتأرجح بين العجز المالي وتحديد الاحتياجات التناقض يطال تشخيص الواقع .. والمعالجة من أهل الكار
لا يزال ملف التأمين الصحي يشوبه العديد من الإشكاليات التي تعرقل وضعه على سكته الصحيحة ولاسيما في ظل انعدام الشفافية الكاملة التي تحكم أغلب أعمال وعمليات القطاع، إلى جانب ضعف أقساط التأمين الصحي في القطاع الإداري مقارنة بنظيره الاقتصادي؛ ما جعله في مصاف القطاعات الخاسرة لسنوات ماضية، وعطل بحسب رأي مدير عام شركة النفقات الطبية “ايمبا” مروان مطره جي تشميل نمط تغطيات القطاع الاقتصادي لكامل المؤمن لهم، وأوجد عجزاً في ميزانية التأمين الصحي في المؤسسة العامة السورية للتأمين؛ ما حدا بالأخيرة لرفع القيمة المالية لعقود التأمين الاقتصادي لما يفوق الـ40 ألف ليرة بغية الاستفادة من وفورات القطاع الاقتصادي وتوظيفها ضمن سياق تغطية نفقات القطاع الإداري، واعتبر مطر جي أن هذه العملية قد ينجم عنها بقاء العديد من شركات القطاع الخاص خارج مظلة التأمين من جهة، وسيطرة التسعير العشوائي لشركات التأمين من جهة أخرى.
عدم توافق
وبين مطره جي أن آلية التسعير المتعمدة مبنية على تسعيرة القطاع الإداري في عام 2010 التي لم تواكب ارتفاع الأسعار والتضخم الحاصل في التكاليف الحقيقية للعلاجات الطبية؛ ما أدى إلى ظهور فجوة كبيرة بين التكلفة الحقيقية والأقساط، وأفرز حالة من تدني مستوى تقديم الخدمة، وعزوف العديد من مقدمي الخدمة عن الالتزام بها، وعلى الرغم من تسديد الحكومة جزءاً للأقساط الشهرية من جهة، وتكبدها قيم التكاليف العلاجية الحقيقية عن طريق المؤسسة السورية العامة للتأمين من جهة أخرى، إلا أنها عجزت عن رفع قيمة القسط الشهري، والذي لاقى قبولاً لدى شرائح المؤمنين لالتماس تحسن في الخدمة المقدمة.
إنهاء الازدواجية
لعل الحل الأمثل لإنهاء مفارقة عدم رفع الحكومة لقيمة القسط الشهري وتكبدها لقيم التكاليف العلاجية، يكمن بتوحيد التعامل مع القطاعين الاقتصادي والإداري ضمن برنامج واحد وآلية تسعير واحدة، ما يضمن بالنتيجة اعتماد مؤشر هام لقاعدة الأسعار التي تلغي حالة التسعير العشوائي ويدعم الاستمرارية والانسجام في السوق، فضمن هذه الاستراتيجية يمكن أن يصل العدد الكلي للمؤمنين لنحو 2.5 مليون مؤمن، وبالتالي فإن هذا العدد الجديد يعزز القوة التفاوضية مع الطرف الأساسي، وهو مقدم الخدمة للوصول إلى هدفين أساسين، أولهما تحسين الخدمة لحملة بطاقات التأمين الصحي، والثاني وضع سقف للتعريفات الطبية تنسجم مع الإنفاق والإيراد مما يحد من الخسارات أو التشوهات الحاصلة للتأمين الصحي.
ولكن مدير عام المؤسسة السورية العامة للتأمين المهندس إياد الزهراء كان له رأي آخر مما سبق، إذ نفى بالبداية نفياً قاطعاً وجود أي عجز في ميزانية المؤسسة في هذا الملف، موضحاً أن التأمين الصحي الإداري والاقتصادي جزآن منفصلان، ولكل منهما آلية محاسبة مختلفة، مؤكداً عدم وجود وفورات مالية أو إمكانية نقل مالي بين إيرادات القطاعين.
ازدادت قوة
وحاول الزهراء شرح واقع التأمين الصحي وآلية عمله خلال الأعوام الماضية، معتبراً أنه خدمة اجتماعية قدمت خلال سنوات الأزمة، إلا أن تغير القيمة الشرائية خلال الحرب وضعت قطاع التأمين الصحي أمام حالتين؛ إما الانسحاب، أو الاستمرار فيه كخدمة اجتماعية وإثبات حضور دون أن يغفل دوره الاقتصادي الربحي، موضحاً أن القطاع يستطيع العمل من خلال الحصول على أقساط وأرباح من إجمالي فروع التأمين مقابل أن يغطي جزءاً من الإنفاق الذي تم على مشروع التأمين الصحي، وهذا الكلام ينطبق على جميع المؤسسات العامة والخاصة، وبشكل عام استمر العمل في التأمين الصحي خلال سنين الحرب، والدليل وجود شركات الإدارة التي كانت بحسب الزهراء “ضعيفة” وازدادت قوة على حساب المؤسسة، وجميع شركات التأمين التي استمرت بالخدمة.
ليست خسارات..!
ولكنه عاد ليؤكد أن التأمين الصحي وصل إلى مرحلة أصبح هناك عبء حقيقي لناحية تأمين أقساط إضافية مكملة من باقي فروع التأمين لتغطية العجز في أقساط التأمين الصحي، والتي ظهرت في النتائج عامي الـ2017 و2018 كبداية ظهور الخسارات لشركات التأمين، ولكنه اعتبر أن هذه الحالة ليست خسارات بل هي خدمة مقدمة ولكنه طغى عليها الجانب الاجتماعي على الجانب الاقتصادي، لسببين؛ الأول أن دورة النشاط الاقتصادي كانت بطيئة، والآخر تمثل بالمنافسة السعرية الشديدة لشركات التأمين، موضحاً أن حجم الأخطار المؤمنة بقي ثابتاً، ولكن المنافسة السعرية جعلت الأخطار تنقل من شركة إلى أخرى.
تحديد السقوف
وفيما يخص المؤسسة العامة السورية للتأمين، بين الزهراء أن وضعها مختلف، ولكن التضخم الحاصل حدا المؤسسة وبشكل مدروس على تقليص شكل التغطيات الصحية للقطاع الإداري لتخفيف حالات سوء الاستخدام التي ظهرت نتيجة حالات العوز وضعف الوعي، والذي ساهم فيه عدد من مقدمي خدمات التأمين، إلى جانب ضعف شركات الإدارة في إتمام عملية الرقابة الحقيقية في هذا الملف، وبالتالي تم تحديد نحو 70% من إجمالي الاحتياجات التي تم تحديدها ضمن عقد القطاع الإداري لناحية سقف التغطيات، وعدد الحركات المسموحة والأمراض التي يحتاجها العامل، مشيراً إلى أن الحكومة تحملت هذه التكلفة لأن حصة العامل بقيت خطاً أحمر بمبلغ 3000 ليرة سنوياً.
عدم كفاية
وفيما يخص شركات القطاع الخاص فدخولها إلى التأمين الصحي اختياري، ولديها أشكال من التغطيات تناسبها بناء على طلبها، ولكن ازدادت الرغبة لدخول هذه القطاع إلى المؤسسة عندما ظهر عدم وجود كفاية للاعتمادات المخصصة لدى المؤسسة والتي يتم استهلاكها خلال الشهر السادس من العام، وذلك بسبب ارتفاع التكاليف الطبية، ولكن مع الاستمرار بهذه الآلية ظهرت النتائج السلبية في هذه المحفظة التأمينية، ما وضعها أمام خيارين، إما تخفيض التغطيات كما حصل بالقطاع الإداري، أو زيادة نسبة تحمل العامل لما يفوق الـ75 ألفاً، ما أوجد بالنتيجة حالة من التعب المالي للمؤسسة، وبالتالي حاولت الأخيرة الوصول إلى نقطة تعادل فسرها الزهراء بوجود إيرادات تعادل 5 مليارات، وإنفاق 10 مليارات، وهذه الحالة تمثل نقطة تعادل وترتبط بتوفر الإمكانات لتحقيق هدف تقديم خدمة اجتماعية خلال الحرب ولغاية عودة الحياة الاقتصادية، لتكون أحد الحلول التي طرحت تقليص حجم التغطيات في القطاع الاقتصادي لصالح القطاع الإداري، ولكن عدم دخول كامل القطاع الاقتصادي في المشروع لدى المؤسسة منعها من اعتماده لعدم معرفة حجم الأقساط الداخلة إلى محفظة التأمين أو نوع التغطيات المطلوبة، وبين الزهراء أن قيمة العقود في القطاع الاقتصادي تراوح مابين 30 إلى 40 ألف ليرة.
تحقيق العدالة
وشدد الزهراء على أن فكرة توحيد التغطيات بين القطاعين يتم العمل عليها بغية تحقيق العدالة الاجتماعية بين المؤمن لهم فقط دون وجود أسباب خفية أخرى، وليست بهدف رفع عجز القطاع الإداري كما أسلف مطره جي، ونوه إلى أنه بالرغم من ضرورة توحيد التغطيات إلا أنه لابد من وجود مزايا ومخصصات مالية تستطيع الشركات الاقتصادية شراء خدمات مكملة تخدم العاملين في القطاع الاقتصادي الذي تحمل طبيعة عملهم أمراض معينة، وتخص إصابات غير مرتبطة بطبيعة العمل والتأمينات الاجتماعية كعمال معامل السماد أو الفوسفات على سبيل المثال، وقد تختار إدارة هذه الشركات فئة العمال المعرضين لهذه الإصابات دون غيرهم لتشميلهم ضمن هذا البند.
فاتن شنان