“نبش القمامة”؟!
نراهم ليل نهار، صغار وكبار السن، ومن مختلف الفئات العمرية، ومن النساء والرجال، سيراً على الإقدام، أو على الدراجات والشاحنات بمختلف أنواعها، وحالياً بالسيارات أيضاً، يجوبون الشوارع بحثاً عن الحاويات الممتلئة التي تشكّل أهدافاً لغاراتهم المستمرة منذ ساعات الصباح الأولى حتى ساعات الليل الأخيرة، ومهمتهم تنحصر في إفراغ الحاويات من حمولتها لتنشر على الأرصفة، وفي الشوارع بعد أن يتم نبشها للحصول على كل ما يجذب انتباههم، ويطعم جيوبهم الجائعة، وخاصة الورق بكل أصنافه، والبلاستيك بأنواعه المختلفة.
ورغم تناول هذه القضية مرات عدة عبر وسائل الإعلام، إلا أنها مازالت مستمرة على الوتيرة نفسها بعد أن عجزت كل الأنظمة والقوانين أمام فقر هؤلاء عن إيقاف هذه الظاهرة التي يبحث من خلالها الآلاف عن مصدر رزقهم في الحاويات.
يسرى التي أتقنت التسول إلى جانب النبش في الحاويات، لم تهرب من كاميرا التصوير، بل ساومت على ثمن صورتها، فهي من الفتيات الصغار اللواتي يخرجن من مخيمهن الكائن على أطراف أشرفية صحنايا من الصباح الباكر على أمل العودة بالغنائم الورقية، والبلاستيكية، وكل ما يمكن إيجاده في الطرقات، وحتى داخل البيوت، سواء بعد سؤال أصحابها، أو من دون معرفتهم.
أما أخوها سمران فهو أكثر دهاء وقدرة على التعامل مع الآخرين، وهو أحد أولئك الذين يسميهم العامة أبناء الشيطان، أو ممن خلقوا قبل ابليس، فنظراته ترصد كل ما يمكن أخذه حتى ولو كان في الجيوب، إلى جانب قدرته على فرز الأكياس وإفراغها بسرعة فائقة، وجمع مخزونها الورقي والبلاستيكي، كما يمكن من خلال رائحته التي لا يمكن وصفها معرفة واقع معيشته، وقراءة تفاصيل حياته.
وفي ظل تنامي هذه الظاهرة، هناك من يرى في عمل هؤلاء منفعة بيئية تتمثّل في فرز النفايات بطريقة تساعد على التخلص من تلك التي تؤثر على البيئة (الصلبة)، وفي مقابل ذلك هناك من ينظر إليهم على أنهم من الملوثات البيئية التي تسهم في زيادة التلوث، ويجب العمل على معالجة هذه الظاهرة بشكل سريع.
إن حياة يسرى وسمران تطرح الكثير من التساؤلات عن الطفولة بشكل خاص، وكل ما يتعلق بها من تطبيق لإلزامية التعليم، ومكافحة التسول، والبحث أكثر في ظاهرة الطفل المكتوم غير المسجل لدى الجهات المعنية، وعن الفقر، ودور الهيئات والمؤسسات الاجتماعية والرسمية والبيئية في احتواء هذه الظاهرة بكل ما تحمله من آثار مختلفة على المجتمع والبيئة.
وبكل تأكيد لن تستطيع هذه المقالة حل أو معالجة هذه الظاهرة على اعتبار أن الفقر يقف هنا بالمرصاد ليقول كلمته كونه الملوث الأول للمجتمع بكامله، ولكن من خلالها يمكن تسليط الضوء على بعض تلك التبرعات التي تجمع تحت عناوين مختلفة دون أن يسأل أحد عن مصيرها، فهل تستثمر الأموال في مكانها الصحيح لنشهد المزيد من دور الأيتام، ومراكز الرعاية بالطفولة، ومعاهد التأهيل الاجتماعي؟!.
بشير فرزان