أي كتابة نريد؟!
حسن حميد
يظنُّ الظانون أن الكتابة للأطفال هي من أسهل الكتابات وأيسرها حضوراً بين أجناس الأدب وفنونه، وهذا ليس سوى ظنٍّ من ظنون كثيرة تحيط بالكتابة للأطفال، لأن كتابة نصوص موجهة للأطفال وليست كتابة عنهم، هي من أصعب أنواع الكتابة، ذلك لأن كتابة قصيدة أو قصة قصيرة أو رواية أو مسرحية غير موجهة لفئة أو جهة أو مجتمع بعينه، عكس الكتابة للأطفال الموجهة إليهم وفق اعتبارات كثيرة، أهمها أخذ العمر الزمني للأطفال بالاعتبار، والعمر العقلي، والعمر التربوي، لأن الأطفال ليسوا متساوين في فعالية تلقي النصوص، وإن كانوا متساوين في العمر الزمني؛ العمر الزمني ليس سوى اعتبار أولي، لابد من مضايفة عمرين آخرين له هما العمر العقلي والعمر التربوي لكي نقول إن هذه الكتابة الموجهة للأطفال تخصّهم فعلاً.
ومن الظنون أيضاً، قناعة الكثيرين أن الكتابة للأطفال لا تأخذ كاتبها إلى دنيا الأضواء والشهرة، وهذا الظنّ لا مصداقية له، لأن شهرة لافانتين، وأندرسن، وإيسوب، وطلال حسن، وسليمان العيسى وكامل كيلاني جاءت وفي حضورها الأعمّ، بسبب كتاباتهم المتميزة للأطفال.
وعند الاسم الأخير، أعني كامل كيلاني، أودّ أن أتوقف لأشير إلى أنه، ومنذ عام 1927، لفت هذا الأديب المصري إلى أهمية الكتابة للأطفال، وضرورة إفساح المجال للثقافة العربية أن تهتم بالأطفال الذين هم مستقبل كل حياة، من خلال إعدادهم ثقافياً وتربوياً واجتماعياً وقيمياً وفق مقولة: اعملوا لأجلهم لتروا أحلامكم وقائع تمشي على الأرض.
ولد كامل كيلاني سنة 1897، ودرس الآداب الانكليزية في جامعة القاهرة، وحاز شهادتها الجامعية، وعمل موظفاً في وزارة الأوقاف مدققاً لغوياً، وقد أوقف حياته كلها من أجل الكتابة للأطفال، فألف قصصاً لهم، واستل الأخبار والأحداث والحكايات من الأدب الشعبي العربي وجعلها قصصاً شائقة لمختلف أعمار الطفولة في المدارس، ثم مضى إلى الأمثال والحكم السائرة فجعل منها قصصاً ذات منحى تربوي واجتماعي غايتها الأولى تهذيب النفس وإعدادها الإعداد المناسب لسلم القيم النبيلة، ثم التفت إلى الآداب العالمية فأخذ منها جواهرها الحكائية وما فيها من قيم تربوية وقدمها عبر قصص غاية في الجمالية من حيث اللغة، والأسلوب، وجهة الاختيار، لقد اختار من (ألف ليلة وليلة) أجمل حكاياتها، وجعلها قصصاً تليق بالطفولة، واختار روايات وقصصاً وحكايات كانت موجهة للكبار وأعاد صياغتها لتناسب أعمار الطفولة، مثل (حي بن يقظان)، ومضى إلى التراث العالمي، والشعبي، وعبر حكاياته الكثيرة، متعددة الصور والأشكال فأخذ (روبنسن كروزو)، ثم مضى إلى الحكايات المشتركة بين شعوب العالم كافة، مثل نوادر جحا، وطوّعها لتكون قصصاً عربية خالصة موجهة للأطفال، وفي طيها العثرات والأغلاط التي وقعت فيها شخصية /جحا/، وما يراد للطفل أن يتحيدها ويبتعد عنها من دون خطابية أو مباشرة أو وعظ وإرشاد، ثم التفت إلى مدونة الأساطير فأخذ منها أجل ما فيها وقدمها، عبر عناية خاصة بقيم الخير والحق والجمال.
وبهذا الصنيع القصصي غدا الأديب كامل كيلاني واحداً من مشاهير الأدب العربي، والرائد المؤسس لأدب الأطفال. وعدا عن ذلك فقد كان الرجل شاعراً، وكاتباً لأدب الرحلات، ولا سيما الرحلات التي قام بها إلى سورية وفلسطين ولبنان، فكتب عن الأمكنة، والناس، والقيم، ووجوه الحضارة البادية من العادات والتقاليد.
أعرف أن قصص كامل كيلاني ليست على سوية واحدة، ولكنها أسهمت في وضع المداميك الأولى لكتابة صحيحة لأطفالنا.
رحل كامل كيلاني سنة 1959 بعد أن جعل اسمه يرن رنين الذهب في كل بيت، ومدرسة، من خلال قصصه القصيرة التي وضعها واختارها للطفولة العربية.
Hasanhamid55@yahoo.com