بيت الشعب..!
تصطاد الحوارات الساخنة التي تدور رحاها تحت قبة مجلس الشعب مطالب الناس التي تطرح ضمن فانتازيا مايسمى جلسات الاستجواب المتقنة الأداء، فنتابع مناوشات ومشادات كلامية تصل في بعض الأحيان إلى درجة سحب مسمار الأمان واللباقة من جلسات الاستنطاق الوزاري، حيث يطلق أعضاء البرلمان العنان لكلماتهم المصطفة ضمن مصفوفات خطابية لا تخلو من الحماسة والتلويح بعصا المحاسبة والمساءلة والتهديد العاصف لأعضاء الحكومة الذين تمترسوا بدورهم خلف الأزمة بكل تفاصيلها، ورددوا مراراً وتكراراً “نحن نعمل في ظروف استثنائية” لتنتهي المعركة بمصافحات حارة وأوراق بيضاء مهمورة بتواقيع الأقلام الخضراء، وطبعاً حتى لا يفهم كلامنا بشكل خاطئ نضيف مصطلح (للصالح العام). وطبعاً المواطن الذي تابع مسلسل الجوارح بكل أجزائه، وباب الحارة وغيرها من المسلسلات الطويلة بات قادراً على تفنيد وتقييم كل ما يراه على شاشة التلفزيون وتصنيفه بدقة عالية.
وإذا صدقنا فعلاً أن شيئاً ما يحترق ما بين هاتين المؤسستين (التشريعية والتنفيذية) على نطاق الحياة المعيشية وغيرها من القضايا فإنه وفقاً للوقائع والمعطيات.. النيران تلتهم حياة المواطن الذي يدفع ضريبة عدم ممارسة المؤسسة التشريعية دورها الفعلي، وكنا نتمنى منها وعلى مدار السنوات الماضية أن تقدم نفسها للشارع السوري بموقف يتطابق مع مهامها ومسؤولياتها كحجب الثقة عن أي وزير أو مسؤول لم يؤدِّ واجبه ومسؤولياته، بدلاً من الفوضى الكلامية التي باتت حاضرة في لقاءات ممثلي الشعب والحكومة، ورغم أنها تمثل شكلاً جديداً وإيجابياً من الحوار ضمن دائرة المفهوم الشعبي، إلا أنها أيضاً تثبت أن كل طرف يحاول عبر ممارسات محمية بالقوانين والأنظمة أن يقلب الطاولة على الطرف الآخر، وأن يسحب البساط بما فيه من صلاحيات تحت شعارات كبيرة وفضفاضة، وجميعها تمرر من باب الأزمة الذي اتسع إلى الحد الذي أصبح فيه دون أي حدود أو ملامح بعد أن اختلطت الأوراق وتداخلت المحرمات والمحللات في سيناريو القرارات التي لم يتمخض عنها سوى التناقض والتباعد عن الواقع.
ولابد من الاعتراف أن القراءة الأولية لاختلاف لغة التخاطب ورفع سقف الحوار تحت القبة ساهم بإدخال بعض التفاؤل إلى نفوس الناس، ورفع الرصيد الشعبي لممثلي الشعب الذين يروجون لوقفاتهم البطولية وخطاباتهم النارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تئن بتعليقاتها من وطأة الخيبة وعدم تحقيق أي شيء على أرض الواقع، فليس هناك فرق مابين قبل وبعد جلسات الاستجواب، وهذا يؤكد أنها مجرد محاولات يائسة وغير مجدية أمام تفاقم الأزمات المختلفة التي تلاحقها كوارث الاستثناءات من بيت الشعب.. فهل من حل؟!
بشير فرزان