إجراءات الحكومة و”الشتاء الملتهب”..!!
ربما كان وصف الشتاء بـ” الملتهب” أمراً غير منطقي في اللغة العربية، لكن المصاعب “غير المنطقية” التي يعاني منها المواطن السوري هذه الأيام تجعل من خطأ لغوي مثل هذا أمراً مقبولاً، بل قد يكون، هذا “الخطأ”، هو الوصف الوحيد والصحيح لهذا الشتاء “الساخن” الذي نعيشه.
فإذا كان من الطبيعي أن يعاني أي بلد في العالم تبعات شتاء قاسٍ مثل هذا – وقد رأينا ذلك في دول متقدّمة ومستقرة عدة – وأن تكون المعاناة أقسى وأشد في حالة بلد مثل بلدنا يواجه حرباً دموية مركّبة منذ سنوات عدّة، إلا أنه من غير الطبيعي عدم مواجهة هذه التبعات بإجراءات مناسبة وفعّالة، أو حتى التأخّر في القيام بهذه الإجراءات، ليكون للتأخّر، في هذه الحالة، وقع الاستنكاف عن المواجهة عند مواطن لم يعد، من كثرة خيبة أمله بوعود سابقة، يثق بوعود جديدة مهما كانت نية تنفيذها صادقة.
وبداية يجب الاعتراف بحقيقة أننا، ومنذ سنوات طوال، لا نواجه قتلة إرهابيين خارجيين وداخليين في الميدان والسياسة فقط، بل نواجه معهم قتلة اقتصاديين، خارجيين وداخليين أيضاً، وذلك ما فضحه، مثلاً، أول اجتماع لمجموعة ما سمي بـ “أصدقاء سورية”، حيث تزامن فيه الهجوم الميداني الإرهابي لجهات مدعومة من هذه المجموعة بالقصف الاقتصادي والمعاشي القاتل بالمعنى الحرفي للكلمة، بدءاً من التلاعب المجرم بسعر الليرة السورية، وصولاً إلى الحصار الاقتصادي الخانق، وهذا ما كان من الواجب ملاقاته بداية بخطط وإجراءات حكومية لا تفرّق بين القاتل بالرصاص أو القاتل بالتجويع، أو القاتل بالإفساد الممنهج لمختلف مجالات الحياة، سواء الإدارية أو التربوية – التعليمية أو الاقتصادية .. وما إلى ذلك.
لكن المفارقة التي يجب الاعتراف بها أننا، وفيما كنّا نسطّر النجاح تلو الآخر في مواجهات الميدان والسياسة، كنّا أيضاً “نسطّر”، في الآن ذاته، الفشل تلو الآخر في مواجهات الاقتصاد، أو على الأقل لا نحقق في هذا الحقل النجاح الموازي لما حققناه في الحقول الأخرى، وتلك، إضافة إلى كونها معضلة كبرى، فإنها أيضاً مشكلة أكبر، لأن هذه الميادين الثلاثة، بطبيعتها، متداخلة بصورة لا يمكن فصلها، وبالتالي يبقى النصر في واحد منها مهزوزاً وقلقاً وناقصاً، بل قد يتعرّض للانتكاس الفعلي، ما لم يدعمه النصر في بقيتها، وذلك ناقوس خطر يجب أن يبلغ ضجيجه آذان الجميع.
والحال فإن الواقع يقول إنه، وكما كانت، ومازالت في بعض الأمكنة، حياة المواطن، بالمعنى الفعلي للكلمة، على المحك في السنوات الماضية، فإن “لقمته” وأسباب معيشته الكريمة هي التي على هذا المحك اليوم، وتأمين أسباب حمايتها، ليس فقط حقاً لهذا المواطن، بل هو واجب على الحكومة أيضاً، وهو سبب وجودها ووجود أفرادها على كراسيهم، وبالطبع لا يمكن، هنا، للمراقب الموضوعي إغفال مبادرة الحكومة لتخصيص جلستها الأخيرة لمناقشة سبل مواجهة أزمات “الشتاء الملتهب”، لكن لا يمكن، لهذا المراقب أيضاً، إغفال استياء المواطن من التأخير في اتخاذ هذه الإجراءات، فالمعلوم أن للتوقيت المناسب، كما للجانب النفسي، لأي قرار، أهمية مفصلية، فلا قيمة لقرار جريء وجدي ومناسب ما لم يتمّ اتخاذه في التوقيت الملائم أيضاً.
نهاية القول: هذا “شتاء ملتهب”، بكل المقاييس، ومواجهة تبعاته، ومشاكل الاقتصاد السوري بالتبعية، لا تحتاج لنظريات اقتصادية، فلدينا منها مجلدات “أكثر من الهمّ على القلب”، كما لا تحتاج لمستشارين، لدينا منهم جحافل جرارة، بل لرجال قرار يعلمون جيداً أن المواطن لا يهتم بتفنيد الأسباب وسماع التبريرات للمشاكل والأزمات، حتى لو كانت محقّة، فهذا ليس من شأنه. ببساطة يريد المواطن “خبزاً وماء وكهرباء وغازاً ومازوتاً وعملاً وسكناً لائقاً وبنية تحتيّة جيدة”، كما يريد أن تقترن الإجراءات الجديدة الحكومية بإجراءات عقابية فورية رادعة وقاسية جداً، تشمل تفعيلاً جدياً لنظام التقييم والمحاسبة، ليس بهدف محاسبة المسيئين والمحتكرين وناهبي الثروات فقط، بل عزل المقصرين والعاجزين أيضاً، وذلك أمر واقع في صلب السياسة، بل هو جوهرها وهدفها الأخير.
أحمد حسن