مَكامنُ القوّة والضّعف
عبد الكريم النّاعم
لكي أحدّد العنوان، وأحرّره من إطلاقيّة، قد تخطر في بال البعض، أقول الذي يعنيني هنا تلك المَكامن بيننا وبين العدوّ الصهيونيّ، بكلّ امتداداته، وتفرّعاته.
بشكل ما لابدّ من العودة الظّاهرة، أو المُضمرَة، إلى بداية هذا المشروع، لا لأهداف تاريخيّة موضوعيّة، بل لأنّ مُستندات تلك البدايات، ومُرتكزاتها، ما تزال قائمة، وفاعلة، سواء في ذلك إنْ نظرْنا إلى البُعد الغربي الاحتلالي، أو إلى البُعد القومي، فالصورة في جوهرها لم تتغيّر، وما نراه ليس إلاّ حراكاً في الاتّجاه ذاته، بيد أنّه على مستوى الدّاخل، ربّما كان صادما، ومُثيرا للقلق بالنّسبة للبعض، وخاصّة فيما يتعلّق بالمساحة القوميّة.
لقد قُدّم الصهيوني المحتلّ، على مدى سنوات طويلة، على أنّه الخارق، والقادر على أن يصل إلى أهدافه حيث كانت، سواء بالحرب المباشرة، أو في الذراع الخفيّة الموساد، وكان هذا، في طريقة تقديمه، وفي عدم التصدّي له كما يجب، يبلبل الفكر، ويثير الكثير من الإحباط، ولم تغب عن البال بعض عمليّات الموساد في اغتيال قادة مهمّين، سافروا بعيدا في الذاكرة الشعبيّة العربيّة، ولن أُعدّد.
هنا لابدّ من التنبّه إلى أنّ هذا العدوّ لم يكن خارقاً في يوم من الأيام، بل كان وحشا يُهيج الذّعر، ويغذّيه، ويزرعه في أعماق جماهيرنا، وكان أحد أسباب بروزه أنّا لم نُحسن استغلال القدرات التي كان عليها أن تُواجهه، ولا شكّ عندي أنّ أحد تلك العناوين هو الاعتماد الموهوم على القدرات المتوفّرة لدى (حكّام العرب)، ورغم أنّ الهدف نبيل، فإنّ حقيقة ما كان يجري في الخفاء، ووراء الحجرات، وفي الدّهاليز، أنّ حكومات الأعراب ومشيَخاتهم، وملْحقاتهم، كانت منذ بدء المشروع الصهيوني، تقف في صفّ تحقيق ذلك المشروع، فلم تكن شعارات العروبة، والتحرير بالنسبة لهم أكثر من لافتات إعلاميّة، وهاهي الوثائق تتكشّف، ولا شكّ عندي أن فضائحيتها، ترسم معالم مع مَن نتحالف، وبمن نثق، ولا يقولنّ أحد أنّنا تأخّرنا، فلا جدوى من العودة للماضي إلاّ الاستفادة من محمولاته، فلا نُجمّدنّ أنفسنا عند حائط البكاء.
إذن المسألة الآن كما تلوح هي معرفة كيفيّة ضمّ القوّة المتوفّرة لترسيخ المواجهة، كمقدّمة لابدّ منها للوصول إلى النّصر، نقول هذا مع إدراكنا الكامل لمنابع القوى عند العدوّ، وهي معرفة ضروريّة، وأساسيّة، وعلى أساس تلك المعرفة تُبنى المداميك اللآّزمة، وهنا تحضر بقوّة حرب 1973 التي ضمّت سورّية ومصر، وحقّقت ماكان يُظَنّ أنّه غير قابل للاختراق، وهو عبور القناة، وعبور تحكيمات الجولان، ومازلنا نتذكّر كيف أنّ غولدا مائير كانت على وشك إعلان الاستسلام، لولا ( فعْلة) السادات.
لكي لا نبتعد كثيرا نستحضر ما فعلتْه المقاومة في لبنان عام 2006، بإمكاناتها المُتواضعة، قياسا إلى ما هي عليه الآن، فقد شعر المتغطرسون الصهاينة بالقهر، والذلّ، والهزيمة، ومن منافذ هذه الرؤية يمكن النّظر إلى صمود سوريّة في وجه المؤامرة الصهيوأعرابيّة، والتي تحوّل فيها الأعراب، بجهوزاتهم الماليّة، والإعلامية، والضخّ التضليلي الهائل، تحوّلوا إلى عدوّ مفضوح، ورغم ذلك فهاهي سوريّة على أبواب الخروج من الدائرة التي رُسِمت لها بالنّار، والتدمير، والخراب، وفي جميع الحالات كان معرفة مكامن القوّة، ومعرفة مَن معنا ومَن ضدّنا هو السّمت الذي لا يُضلّل سالكيه.
أعتقد أنّ الفرصة جدّ مواتية لترسيخ حضور الحلف المقاوم، واعتماده وطنيّا وقوميّا للخروج إلى أزمنة نرسم ملامحها بأقلامنا، وببنادقنا، وبحُسن خياراتنا، ومعالجاتنا.
aaalnaem@gmail.com