“الحوار” أمل ماكرون الأخير لامتصاص غضب المحتجين
في ظل تصاعد احتجاجات حركة “السترات الصفراء”، التي تطالب باستقالة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد فشله في تحقيق مطالب المحتجين، دعا الأخير الفرنسيين في الرسالة التي وجهها إلى الشعب إلى المشاركة فيما سماه “نقاشاً وطنياً كبيراً” في محاولة منه لتبديد غضبهم، ولكن هذه المحاولة ما تزال تصطدم بالمزيد من التشكيك.
وبعد فشل محاولات القمع والاعتقال التي قامت بها السلطات الفرنسية في ثني المحتجين عن مطالبهم وازدياد أعدادهم، حيث وصلت في الأسبوع التاسع من الاحتجاجات، بحسب ما أقرت وزارة الداخلية، إلى أكثر من 85 ألف متظاهر يوم السبت الماضي رغم الطقس البارد، ومحاولة قوات الأمن الفرنسية قطع الطرقات، واعتقالها العشرات، وإطلاقها الغازات المسيلة للدموع على المحتجين، أطلق ماكرون الشعار “لنحوّل الغضب إلى حلول” لامتصاص الاحتجاجات من خلال دعوته المحتجين للحوار عبر رسالة إلى الفرنسيين بثتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
وحاول ماكرون في رسالته للحوار التعمية على مطالب المحتجين باستقالته بطرح مواضيع للحوار كانت مطالب المتظاهرين في بداية احتجاجاتهم تتركّز حولها، وهي تحسين القدرة الشرائية، وخفض الضرائب والديمقراطية، وتحسين الوضع البيئي، مشيراً إلى أن الحوار حول هذه القضايا سيستمر حتى منتصف آذار المقبل، وبعدها تدرس نتائجه، وتصدر قرارات قبل نهاية نيسان الذي يليه.
إلى ذلك، أشار بنيمين غريفو الناطق باسم الحكومة إلى أن الحوار سيتجنب بعض النقاط الحساسة مثل الهجرة، الإجهاض وحكم الإعدام، وزواج المثليين، لما يمكن أن تسببه هذه النقاط من اختلافات تعيق حل المشاكل الأساسية.
هذا وسجلت شعبية ماكرون تراجعاً قياسياً بسبب سياساته الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير، ودفعت الفرنسيين إلى المطالبة بتنحيه وجملة من التغييرات الأخرى.
وتعد هذه ثاني محاولة يقوم بها ماكرون لإخماد غضب المحتجين، ولكنها ما زالت تواجه احتمالات الفشل، وخصوصاً أن التشكيك بها بدأ مبكراً، وهذا ما عبّرت عنه الوجوه البارزة للحركة، إذ صرح إيريك دروي: كان يمكن للحوار أن يكون فكرة جيدة لولا أن الرئيس، وعبر بعض المسؤولين، قال ثمة نقاط لا رجعة فيها، ما يجعلنا نرى أنه لا جدوى منه، فيما قال جان جاك: إن الحوار سيكون في الشارع وليس في القاعات وعبر الانترنت، في إشارة إلى المنصة الالكترونية التي أعلنت الحكومة عن وضعها لجمع آراء المواطنين.
في الاثناء، لفت خبراء سياسيون وكاتبو افتتاحيات في الصحف الفرنسية إلى أن النقاش ينطوي على مجازفة كبرى بالنسبة لماكرون، وكتب بول كينيو في صحيفة ليبيراسيون “إن هذه المناورة شديدة الخطورة، ولا سيما أن مزاج البلاد يبقى مشاكساً للغاية”، بدورهم شكك المحتجون بالنقاش قبل بدئه، وأكد العديد من محتجي “السترات الصفراء” أنه لا يوجد أي شرعية لماكرون، مؤكدين أن النقاش الحقيقي يجري اليوم في الشارع، كما أثبتوا السبت الماضي عبر تصميمهم على النزول إلى الساحات بأعداد متزايدة.
وفي حين، رحبت بعض الأحزاب بالحوار مع بعض التحفظات، إلا أن الأحزاب المعارضة الكبرى من أقصى اليمين وأقصى اليسار عارضته جملة وتفصيلاً، واعتبرته مراوغة وجداراً من الدخان لحجب الحقائق وتضليل الشعب.
وتقود بهذا الصدد حملة إعلامية قوية تسعى من خلالها لإجهاض الحوار في بداياته، والتأثير على حركة “السترات الصفراء” المنقسمة أصلاً بشأن الحوار الوطني بغالبية رافضة، ووصف التجمع الوطني النقاش الكبير بأنه خاو.
وفي حين اعتبر حزب فرنسا المتمردة أنه مجرد تمويه، حذّر رئيس حزب الجمهوريين لوران فوكييه من مناورة فظة، كما حذّر رئيس حزب البيئيين يانيك جادو من أنه إذا تلاعب ماكرون على الفرنسيين، فهناك مخاطر بانهيار الديمقراطية أكثر.