صانعو المال يتصدرون المشهد على حساب “المتأصلين” حديثــــو النعمـــــة يوجهـــــون بوصلتهـــــم نحـــــو “الريعـــــي” دون “الإنتاجـــــي”
إذا حاولنا قراءة ما طفى على المشهد العام لقطاع المال والأعمال من عدد من “حديثي النعمة” الذين بدؤوا يلجون إلى قطاعات استثمارية ذات بعد ريعي لتضخيم ثرواتهم المفاجئة، نجد أولاً أن ثمة خللاً يكتنف توزيع الثروة، أفضى إلى انحسار الطبقة الوسطى واتساع نظيرتها الفقيرة، ونرى ثانياً أن توظيف هذه الثروة في القطاعات التجارية والسياحة والعقارية دون الخوض في غمار الاستثمار الحقيقي سيزيد من تقهقر “الوسطى” واتساع “الفقيرة”، كون زبائن ورواد هذه القطاعات من الطبقية الثرية، فعندها يزداد الغني غنى، والفقير فقراً، مع الإشارة هنا إلى أن تواطؤ بعض المفاصل الحكومية التنفيذية مع هؤلاء حديثي النعمة وتمرير صفقاتهم المشبوهة من تحت الطاولة يزيد طين هذا المشهد بِلّة..!
الأصح
لو تم توظيف الثروة الآنفة الذكر –بغض النظر عن منشأها- في القطاعات الاستثمارية الحقيقية وتحديداً في المجالين الزراعي والصناعي، لانقلبت المعادلة لصالح الشريحتين “الوسطى” و”الفقيرة”؛ لأن الإنتاج المحلي -وبكل بساطة- يعزز على الأقل تأمين سلع ومواد بأسعار أرخص من نظيرتها المستوردة، ويؤمن فرص عمل أكبر من تلك المنوطة بالإنتاج الريعي التجاري..!
ذاتي وموضوعي
بالمقابل هناك شريحة من قطاع الأعمال “متأصلة” إن صح التعبير، وتمكنها أصالتها هذه من معرفة حيثيات الاستثمار السليم والصحيح، فجزء منها متخصص بالتجارة، والسياحة والعقارات، وآخر له تاريخ صناعي، لتبقى الزراعة القطاع الأكثر حيوية بعيداً عن مفهوم المأسسة الاستثمارية، فهو لا يزال بعهدة الفلاحين البسطاء بعيداً عن المعنى الحقيقي للاستثمار، بالتوازي مع تدني مستوى المواءمة مع الصناعة نتيجة عدم إنشاء عناقيد صناعية للتصنيع الغذائي الزراعي. وفي الوقت الذي نعتقد فيه بوجود عوامل ذاتية تحول دون اضطلاع هذه الشريحة بدورها الاستثماري المطلوب، منها انكفاؤها عن تطوير استثماراتها باتجاه الخوض بغمار إحداث شركات مساهمة عامة كفيلة بتكريس المشاريع الاستثمارية الضخمة، هناك ظروف موضوعية تتعلق بتداعيات الأزمة قلصت من نشاطها المعتاد، ما بات يشي باحتمال تموضع “المتأصلة” في النسق الثاني في قطاع المال والأعمال، لصالح الدخلاء الجدد..!
على محك
أمام ما سبق نجد أن الحكومة حالياً على محك التعاطي الجدي مع الشريحة المؤصلة، وتوجيهها باتجاه الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي، لا مع تلك “حديثة النعمة” المتثأبة لصناعة المال عبر القطاع الريعي، وعليها “أي الحكومة” ضبط ما يدور في كواليس بعض مؤسساتها من وئام مشبوه بين هؤلاء حديثي النعمة وبعض المفاصل التنفيذية، ولربما يتناهى إلى مسامع الكثيرين من قصص يتغنى بها عدد من أتباع القطاع الخاص عموماً وحديثي النعمة خصوصاً، ملخصها “الدراهم مراهم” و”المال يفتح كل الأبواب المغلقة”، وغيرها من العناوين الملخصة لهذا المشهد..!
سد
وفي ذات السياق لمسنا خلال الدورتين السابقتين لمعرض دمشق الدولي، رغبة حقيقية لرجال أعمال سوريين مغتربين وغير سوريين للاستثمار في سورية، إلا أن هذه الرغبة لم تترجم حقيقة لاعتبارات؛ إما أنها تتعلق بتعثر التسهيلات الاستثمارية الحكومية من إعفاءات وتبسيط الإجراءات وغير ذلك – علماً أن الحكومة أبدت ترحيبها ولا تزال- أو أن ثمة سداً من نوع خاص شيده “حديثو النعمة” لمنع انسياب ما بجعبة السوريين المغتربين من أموال لتوظيفها في مساراتنا التنموية، ليبقى مضمار الاستثمار رحباً أمام ما يشتهون من استثمارات شهية للربح السريع، جاهلين أو متجاهلين غنى سورية بخاماتها الطبيعية والبشرية، وأن الاستثمار في سورية لا يزال بكراً في العديد من المطارح التي لم تكتشف آفاقها بعد، وعندما نتعمق في الدراسة وفي التحليل في هذا المجال سنجد أن إمكانية الربح في سورية أعلى من أي اقتصاد في العالم، خاصة بعد تخفيض معدل الضريبة في السنوات الأخيرة إلى أدنى مستوياتها مقارنة بكثير من دول العالم، إضافة إلى أن مؤشرات البنك الدولي إيجابية جداً، وتبين أن هناك مزايا كبيرة للمستثمر في سورية سواء ما له علاقة بالموارد، أم بقوة العمل، أم بالفرص الكبيرة..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com