الصعوبات المعيشية تستوجب التعاضد المجتمعي..وواقع المعاناة يتطلب الارتقاء بحس “المواطنة”
من دون استثناء..
أزمة الأخلاق التي عانينا منها في فترة الحرب ومازلنا ربما تعكس واقع مجتمعنا كما هو بعيداً عن التجميل، فلا يمكننا أن ننكر الصدمة الكبيرة التي تلقيناها جميعاً من دون استثناء، صدمتنا بالمفاهيم والقيم الأخلاقية التي تخلى عنها الكثير من السوريين في هذه الحرب لصالح أهدافهم الشخصية، وفي سبيل تحقيق رغباتهم، بغض النظر عما قد تخلفه هذه الرغبات للبعض من ضرر وسوء، وربما غابت المصلحة العامة، أو بالأحرى اختفت عند الكثيرين في مقابل مصالحهم الخاصة، حتى لو كانت على حساب لقمة عيش إخوتهم في المصير، وشركائهم في الوطن، لذلك من الضروري أن يقوم كل مواطن بدوره من مكانه، ومن منطلق حس المواطنة الموجود لديه لتحقيق مصلحة الوطن التي يجب أن تكون فوق مصلحة الجميع.أزمة أخلاق
بداية وكما هو واضح ومعلوم للجميع أنه في الحروب التي تحصل في أي مكان في العالم تطفو على السطح مفاهيم وقيم مغلوطة، وتنتشر الجريمة والفوضى، لا بل تظهر مشاكل لم يعتد عليها المجتمع، لدرجة أنها قد تكون غريبة على ثقافة أبنائه وعاداتهم وقيمهم، ولكن بالمقابل لا نستطيع أن نلقي بكل أخطائنا التي قد نرتكبها على الحرب، ومن الضروري أن نعترف بأننا أيضاً نقوم بممارسة الاستغلال والابتزاز، مبررين وجود حرب تجبرنا على القيام بتلك التصرفات، الأستاذ هائل منصور، أستاذ متقاعد، يتحدث بحسرة عن الوضع الذي وصلنا إليه بسبب استغلال الكثير من عديمي الأخلاق لظروف الحرب، قائلاً: لقد ربيت أجيالاً من الشباب على مدى عشرات السنين، وكنت متوهماً أنني قد قمت بواجبي على أكمل وجه تجاه هؤلاء الشبان والشابات، ولكن اليوم عندما أنظر إلى ما وصل بنا الحال تصيبني الحسرة والمرارة، وأشعر باكتئاب شديد يصاحبني، وأتساءل بيني وبين نفسي عن مدى النجاح الذي توهمت أنني قد حققته على مدار تلك السنوات، ويحضرني سؤال دائم التكرار في ذهني: أين ذهب هؤلاء الشباب الذين تربوا على قيم الإحساس بالآخر، وتقديم العون لمن يحتاجه؟ مستطرداً: نحن نتعلّم ونربي أبناءنا على القيم والأخلاق، فهذه ثقافة لا علاقة لها بالدين، وإذا كنا لن نمارس هذه الثقافة في الوقت المناسب، فما الفائدة منها إذاً؟!.
مشروعي الخاص
من جهته فنّد عبد الأحد سمعان، شاب في أواخر العشرينيات من عمره، والذي افتتح مشروعه الصغير منذ ما يقارب الثلاث سنوات بعد أن تخرج في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية في إحدى الجامعات الخاصة في لبنان، وأصر أن يعود لبلده بعد تخرجه مباشرة، على الرغم من قدرته على السفر خارج البلاد، الواقع الذي نعيشه بأننا لا نستطيع أن نلقي اللوم على أنفسنا فقط متجاهلين دور الحكومات المتلاحقة، وأداءها في توفير قاعدة عيش مقبولة للناس بشكل أساسي وضروري، وتوفير الخدمات الاجتماعية، وشبكات التكافل والرعاية للفئات الأكثر ضعفاً وتضرراً في الحرب من نساء، ومسنين، وأطفال ويافعين الذين قد يعاني البعض منهم من اضطرابات شديدة وحادة نتيجة ما لحقهم من أذى نفسي في الحرب، مضيفاً: رغبتي وإصراري للعودة، وافتتاح مشروعي الخاص في بلدي، لأنني لا أستطيع الابتعاد عن وطني شأني في ذلك شأن كل السوريين المتمسكين ببلدهم، ولكن من الضروري جداً ألا نتجاهل أننا بحاجة كمواطنين لوسائل عيش واستقرار تشعرنا بالأمان بعيداً عن القلق والتفكير فقط بكيفية تأمين أسطوانة الغاز، أو علبة حليب لأطفالنا، اليوم تغيرت أحلام الكثيرين وطموحاتهم، وأصبحنا نهرب من واقعنا إلى واقع يرسمه لنا أولئك المنجمون الذين يزعمون المعالجة الروحية، ويستثمرون الدين بشكل خاطىء لتمرير أفكار معينة في سبيل تحقيق مكاسب مادية لا أكثر، لذلك بداية حل المشكلات المتفاقمة التي نعيشها، خاصة على صعيد الواقع المعيشي، هي تأمين أساسيات الحياة، والتركيز من قبل المؤسسات المعنية والجهات الرسمية على برامج لتمكين المرأة، والعمل على دعمها، ودعم أسرتها، والاهتمام بكل الفئات المجتمعية، خاصة الشباب، وعدم التهرب من المسؤوليات المنوطة بتلك المؤسسات.
“المستحيل مانو سوري”
شعار تم رفعه لمساندة ودعم المنتخب الوطني في مبارياته التي يخوضها ليتمكن من التأهل في دوري كأس آسيا، وعلى الرغم من أن هذا الشعار هو شعار رياضي، إلا أن روح الفكاهة التي يتمتع بها الشعب السوري جعلته يسقطه على المعاناة اليومية التي يعيشها المواطن السوري لتأمين أبسط احتياجاته، بدءاً من تأمين وسائل التدفئة، إلى الكهرباء، وصولاً لحليب الأطفال الذي تم فقدانه من كل الأسواق السورية، وبكل أصنافه وأنواعه دفعة واحدة، وفي الوقت نفسه نتساءل عن سبب هذه الصدفة الغريبة الذي يجزم البعض أنه مقصود، ومن أهم الأسباب، إضافة إلى التقصير من قبل المؤسسات المعنية، طمع التجار الذين لم يوفروا حتى حليب الأطفال لتحقيق أرباح خيالية في تجارتهم، ومن هنا بدأت حملات السخرية والتهكم على شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي التي أسقطت هذا الشعار الرياضي على الواقع من خلال بعض النكات المتمثّلة بأن قدرة المواطن على تأمين أسطوانة غاز ليست بالأمر المستحيل، لأن “المستحيل مانو سوري”، إلى تعليقات تشوبها روح الفكاهة للفت نظر المعنيين إلى الواقع المعيشي السيىء الذي نعاني منه.
الاعتراف بالتقصير!
في أحد شواطىء ريودي جانيرو، يعاقب بالحبس المشدد أي إنسان يضع أي إعلان، أو بناء، أو كافيه تحجب الرؤية عن الكورنيش، وإن دل هذا القرار على شيء فإنه يعكس الاهتمام والحرص الذي توليه تلك الدول لمواطنيها ليتمكنوا من الاستمتاع بثروات وخيرات وطبيعة بلادهم، وربما هذا ما يجب على المعنيين لدينا أن يقوموا به من تحمّل لمسؤولياتهم تجاه المواطنين، والابتعاد عن اختلاق الأعذار، وتقديم الحلول المؤقتة والمنقوصة التي لا تتماشى وطبيعة الواقع المرير الذي نعيشه، خاصة أننا خارجون من حرب قدمنا فيها خيرة شبابنا، ودمرت الكثير من البنى التحتية لدينا، ولكي لا ندخل بحرب أقسى وأشد تتمثّل بالبحث عن لقمة العيش، لابد من العمل على قدم وساق لتوفير حياة تليق بالمواطن السوري، وعدم الانتظار حتى تقع المشكلة للبحث عن حلول لها.
لينا عدرة