الصين تطرق أبواب باكستان
علي اليوسف
ظهرت الكثير من المتغيرات السياسية على الساحة الدولية خلال الفترة ما بين نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وحصل خلل في التوازنات بين القوى الدولية حيث نتج عن ذلك انهيار قطب الاتحاد السوفيتي، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة، ومع ذلك يوجد هناك بعض القوى التي تحاول أن تفرض نفسها على الساحة الدولية سواء كان بشكل مستتر أو معلن، ومن الأمثلة التي ظهرت واضحة في وقتنا هذا هو الصين التي جذبت الكثير من الأنظار حولها بعدما أحدثت الكثير من التقدم الهائل في مجالات عديدة. لقد برزت الصين كقوة مؤثرة في آسيا ودخلت في مرحلة تميزت بالتركيز على البناء الداخلي وتخليص المجتمع الصيني مما أنتجه الوجود الغربي، وقد حققت الصين معجزات مشهود لها عالمياً بالتفوق.
السياسة الخارجية الصينية
بدأت الصين في ممارسة إصلاحات اقتصادية ودبلوماسية غيرت جذرياً السياسات السابقة، وقد تبنت في تلك الفترة سياسة الانفتاح الاقتصادي والسياسي على العالم الخارجي، حيث عملت على زيادة استثماراتها وعلاقاتها الخارجية حتى أصبحت قوة مؤثرة.
خلال تلك المراحل، واجهت الصين عقبات شتى تمثلت في سياسات الحصار والعداء من قبل المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة عبر سلسلة من الأحلاف السياسية والعسكرية كان من أبرز نتائجها هو معارضة دخول الصين للأمم المتحدة، وانعكس ذلك في سعي الدبلوماسية الصينية إلى كسب اعتراف وتأييد الدول الإفريقية والآسيوية.
وإزاء هذا الهدف تركزت السياسة الصينية في منع تغلغل النفوذ الأمريكي والهيمنة على مقدرات الصين لتقليل خطر العزلة الصينية، واعتبرت الصين الشرق الإفريقي همزة الوصل بين أوروبا ودول جنوب شرق آسيا عبر الطرق البرية والجوية والمعابر البحرية الحاكمة خاصة معابر البحر الأحمر من معبر قناة السويس وحتى المحيط الهندي جنوباً.
وعليه ركزت الصين علاقاتها في دول الشرق الأوسط وباكستان وغالبيتها أصبحت تركز على علاقاتها مع الصين وإيران وهما أكثر الدول القريبة من السياسة الخارجية الصينية، وبذلك بدأت الصين بفضل سياساتها أن تقيم تعاون وثيق مع دول الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية وشملت العلاقات الصينية مع الدول العربية علاقات اقتصادية، وثقافية، وعسكرية، وفكرية، وبذلك أصبحت الصين تتغلغل داخل الأسواق الدولية العربية.
وفي هذا الشأن ظهر دور باكستان التي لها علاقات جيدة مع دول آسيا وخاصة الصين، في حين تقع علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت الضغوط لأن باكستان تعتبر دولة مواجهة في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على ما يسمى “الحرب على الإرهاب”. وتمتلك الصين علاقات أكثر ودية مع باكستان من بين كل الدول المجاورة للصين، حيث تطورت العلاقات من مستوى العلاقات السياسية والعسكرية إلى مجموعة كاملة من الاتصالات والعلاقات الشاملة.
تاريخ العلاقات بين البلدين
يمكن تناول تاريخ العلاقات بين الصين وباكستان في فترات مختلفة كالآتي: الفترة الأولى من عام 1950 إلى عام 1960، حين بدأت كل من الصين وباكستان في تبادل التمثيل الدبلوماسي. أما الفترة الثانية من عام 1962 إلى عام 1980، فقد اتجهت الدولتان إلى إعادة الهدوء لمسار العلاقات بينهما من خلال قيامهما ببدء التفاوض حول مشكلات ترسيم الحدود بينهما، وتوقيعهما اتفاقاً خاصاً بإنهاء هذه المشكلات في آذار عام 1963، وقامت الصين بتقديم دعم سياسي وعسكري ومساعدات اقتصادية لباكستان، ودعم هذه العلاقات تشجيع إدارة الرئيس الأمريكي “نيكسون” باكستان على تحسين علاقاتها بالصين، باعتبار أن هذه العلاقة يمكن أن تكون بوابة الولايات المتحدة لتحسين علاقاتها مع الصين. أما خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 2010 اتجهت الصين إلى تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع باكستان في مجالات: الطاقة والنفط والاتصالات والتنمية الزراعية وجذب وتوطين الاستثمارات المتبادلة، وشهدت العلاقات الصينية الباكستانية نقلة نوعية أخرى عقب قبول عضوية باكستان كمراقب إلى جانب كل من إيران والهند في منظمة شنغهاي للتعاون في بداية عام 2005.
وقد شجع ذلك على تعزيز التعاون الإقليمي بين كل هذه الأقطاب والأطراف الإقليمية خاصة فيما يتعلق بالأمن والاستقرار في جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي، وفي هذا الإطار زادت قوة العلاقات الثنائية بين الصين وباكستان ووقعت الدولتان معاهدة الصداقة والتعاون وحسن علاقات الجوار بالإضافة إلى 21 اتفاقاً في مجالات متعددة بين الدولتين أثناء زيارة “وين جياباو” رئيس وزراء الصين لباكستان في نيسان 2005، ووفقاً لهذه المعاهدة تتعهد الدولتان بمساعدة كل منهما للأخرى في جهودها لحماية تكامل ووحدة أراضيها.
ميناء جوادر الباكستاني
يعتبر الميناء جزءاً من مشروع حزام واحد وطريق واحد الذي أعلنت عنه الصين في عام 2013 في سياق صعودها المستمر كقوة اقتصادية عظمى، والمشروع عبارة عن مجموعة من الطرق البحرية والبرية العملاقة، سيتم إنشاؤها خلال خطة زمنية بالتعاون مع 68 دولة بهدف إيصال البضائع الصينية مباشرة إلى أنحاء العالم، وتكمن أهمية ميناء جوادر في قربه للصين حيث يعد أقرب ميناء لإقليم شينجيانج الصناعي، إذا ما قُورن بالموانئ الصينية الواقعة شرقها، لذلك ستعبر التجارة الصينية براً على طول جغرافيا باكستان من خلال الطرق التي تم إنشاؤها حتى تصل إلى ميناء جوادر، ومن هناك يتم نقل البضائع إلى دول الخليج والشرق الأوسط.
ومما يعزز أهمية الميناء، موقعه الاستراتيجي جنوب غرب باكستان، حيث يطل على بحر العرب بالقرب من مضيق هرمز الذي تعبر منه ثلث تجارة النفط العالمية، والذي تسيطر عليه حالياً الإمارات من خلال احتلالها لأغلب الجزر اليمنية الواقعة على المضيق.
كما يساعد موقع الميناء في تقليل الوقت والمال على الرحلات التجارية، ويعد موقع الميناء ذا أهمية استراتيجية أخرى لوقوعه بين جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط، كما يمثل جزءاً هاماً من طريق الحرير القديم الذي يربط الصين مع أوروبا وآسيا وإفريقيا، وفي السابق كان جوادر تحت سيطرة سلطنة “عمان” حتى استعادته باكستان في عام 1958 وظل معطلاً حتى عام 2002 قبل بدء باكستان في الاستفادة من عمق مياهه وصلاحيته لاستقبال السفن الكبيرة.
كما يعتبر الممر الصيني الباكستاني أحد أهم ما توصلت له باكستان والصين على صعيد العلاقات الاقتصادية الثنائية، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بشأن بناء هذا الممر خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني “نواز شريف” إلى بكين في عام 2013، ويعد هذا المشروع الإنجاز الأكبر لباكستان بعد القنبلة النووية، كما أن القيادة الصينية بدورها ترى أن للصين مصلحة استراتيجية في هذا الممر.
يعتبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ليس مجرد تجارة واتفاقات اقتصادية واجتماعية تبرمها باكستان بل هو خطوة هامة من أجل تغيير قواعد اللعبة في المنطقة كلها، كما يساهم الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني في تمكين دول من جنوب آسيا وآسيا الوسطى من الاستفادة من الجوار الصيني، حيث أن هذا الممر بمثابة رابط إقليمي وله هدف أساسي ألا وهو تحقيق الشراكة الاقتصادية بين دول المنطقة.
من جهة أخرى يوفر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني لدول جنوب آسيا طريقاً اقتصادياً أقصر للتجارة مع الصين عبر باكستان، كما أنه يمكن للدول غير الساحلية في آسيا الوسطى من جني حصاد هذا الممر الاقتصادي عبر ميناء جوادر للتجارة مع أوروبا وأمريكا الشمالية وإفريقيا.
إن العلاقات بين الصين وباكستان في جنوب ووسط آسيا تتجه إلى أن تكون استجابة منطقية ومبررة للعديد من المشاكل الإقليمية ووجود حالة من عدم الاستقرار السياسي وأيضاً مع وجود ركود اقتصادي، وبالتالي فإن توطد العلاقات بين الصين وباكستان سوف يساعد في تشجيع نمط التعاون القائم على أساس من المنفعة المتبادلة بين جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة.
ولا خلاف في أن التعاون بين الصين وباكستان سوف يؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية التي سوف تدفع بالضرورة إلى تحقيق النمو الإقليمي في المنطقة مع توقع حدوث ازدهار اقتصادي حيث أن الصين تعتزم إنفاق 55 مليار دولار في باكستان على مشروعات البنية التحتية كجزء من خطتها لبناء شبكة من الطرق التجارية في جميع أنحاء العالم، وبالتالي نجد أن الصين في طريقها إلى أن تصبح الشريك الأقوى لباكستان وهو ما يثير مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من إمكانية تحول علاقتها مع باكستان لصالح الصين، وهو ما أكده بعض المسؤولين في باكستان، حيث تسعى باكستان إلى تعميق علاقتها مع الصين والحصول على الدعم من بكين لكي تستطيع مواجهة واشنطن.