في حلم المنطقة العازلة
عندما يتحدّث أردوغان عن إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري فهو لم يطرح أمراً جديداً لكنه يوضّح لماذا سمح بانهيار عصاباته المتمثّلة بحركة نور الدين زنكي أمام جبهة النصرة الإرهابية، إحدى أدوات واشنطن، والتي باتت تسيطر بشكل كامل على ريف حلب الغربي وإدلب. بعبارة أخرى نحن أمام تقاسم نفوذ جديد بين ترامب وأردوغان، حيث أن الرئيس الأمريكي يريد استبدال الأصيل المتمثّل بقواته الرسمية، بالوكيل “جبهة النصرة”، فليس المهم لواشنطن المنطقة التي تخضع لنفوذها بقدر ما يهمها الإبقاء على أداة ضغط على الدولة السورية، كوسيلة للابتزاز السياسي، فيما رئيس النظام التركي يريد السير على خطا أجداده الطورانيين بقضم قطعة من الأراضي السورية لتكون بمثابة مكافأة له على جهوده في دعم وتمويل الإرهاب وفتح حدوده أمام مرتزقة العالم لتنفيذ المخطط الصهيوأطلسي في سورية.
وبالتالي فإن المسرحية الهزلية التي مثّلها الرجلان على منصات التواصل الاجتماعي، ووصلت بترامب إلى حد التهديد بتدمير الاقتصاد التركي، ورد أردوغان بتصريحاته العنجهية المعروفة، جعلت المتابع يعتقد أن القطيعة بين البلدين آتية لا محالة، وأنه قد حسم أمره بالخروج من تحت العباءة الأمريكية، لتأتي الوقائع على الأرض وتؤكّد أن التنسيق في أعلى مستوياته، وأن حاكم تركيا الإخواني لا يمكن أن يبدّل جلده بين ليلة وضحاها، حيث أن الانتقال من الحضن الأمريكي إلى المعسكر المقابل يعني خروجه خاوي الوفاض، فالروسي على سبيل المثال لا الحصر يرفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، جملة وتفصيلاً، وهذا الأمر لا يتعلق بسورية فحسب، بل في الاستراتيجية التي تتبعها روسيا حالياً، وقبلها إبان الاتحاد السوفييتي، في علاقاتها الدولية، بينما أمريكا تبيع حتى حلفاءها بعد إنهاء المهمة الموكلة إليهم، وفي هذه المرحلة لم تجد أفضل من أردوغان ليقوم بالتنفيذ انطلاقاً من معرفتها بنمط تفكيره وأطماعه الشخصية التي يضعها فوق أي اعتبار.
يعتقد أردوغان أنه بحصوله على ضوء أخضر أمريكي بإنشاء منطقة عازلة بأن الأمر أصبح في متناول اليد، ولعل إدلائه بتصريح بعد التفجير الذي استهدف جنوداً أمريكيين في منبج يعبّر عن وقاحة قلّ نظيرها من جهة، ومن جهة ثانية فإن الحلم الذي يراوده سيتحوّل إلى كابوس خلال وقت قريب في حال الإقدام على خطوة جنونية محسومة النتائج قبل أن تبدأ، فما يرسم على الورق وخلف الكواليس لا يمكن أن يتحقّق على أرض الواقع في منطقة ملتهبة تتداخل فيها أجندات الإرهابي مع الساعي إلى إنشاء كيان انفصالي، ليأتي المحتل التركي ليوقد كرة النار ويزيد الطينة بلة، ويضيف عقدة جديدة إلى المشهد المعقد سلفاً. ما يعني أن واشنطن ستزج أردوغان في معركة لن يكون في نهايتها إلا مهزوماً بعد أن يتكبّد خسائر ربما يعجز نظامه عن تحمّلها، في حين تأخذ الإدارة الأمريكية دور المتفرج وتنتظر ما ستؤول إليه الأمور، حتى لو كان ثمن الاستمرار في الحرب رأس أردوغان.
بمنطق الربح والخسارة فإن أردوغان في الطريق لخسارة جولة أخرى من الحرب بعد أن ضحّى بأفضل وكلائه من الإرهابيين، ويعمل على تعويضها بزج قواته في حرب خاسرة لا محالة، حيث أنه ليس قادراً على تحمل الأعباء المادية لإنشاء تلك المنطقة، ولن يحظى بغطاء دولي لذلك، والأهم أنه لا رضى شعبياً على تدخله، كما أن الدولة السورية، شعباً وجيشاً وقيادة، اتخذت قراراها بتطهير كامل تراب الوطن من الإرهاب وأي قوة غير شرعية عبرت حدودها، وهي رسمت الخطوط الحمر لتدخل أردوغان السافر، وستتعامل مع قواته على أنها احتلال، وبالتالي فإنها ستلاقي ذات المصير الذي لاقته التنظيمات التكفيرية.
بالنتيجة، كيفما كان شكل التدخل ومهما بلغ حجم الاستهداف فإن سورية ستبقى واحدة موحّدة بتضحيات جيشها وصمود شعبها وحكمة قيادتها. أما محاولات التقسيم والتفتيت فسوف تبقى أضغاث أحلام تراود أردوغان الخاسر على جميع الجبهات.
عماد سالم