الجميع يتهرّب من “بريكست”
ما شهده مجلس العموم البريطاني على مدى جلستين تاريخيتين، الأولى أُسقطت فيها خطة تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست” بشكل مذل ومهين، والثانية نجت فيها ماي نفسها من سحب الثقة من حكومتها والذهاب إلى انتخابات مبكرة، يؤكّد أن الوضع في عاصمة الضباب يزداد تعقيداً، وقد يؤدي تفجر الأوضاع فيها إلى عواقب كبيرة على صعيد القارة العجوز بأكملها.
فالموافقة على اتفاق “بريكست”، برأي المعارضين، إضافة إلى الخسائر المادية والاقتصادية والاجتماعية التي ستلحق بالبريطانيين، قد تؤدي إلى تفكك بريطانيا وخروج عدد من الدول المنضوية تحت التاج “ايرلندا- اسكتلندا” من عباءتها. والأمر لن يتوقّف عند بريطانيا بل سينسحب على القارة العجوز بأكملها، فالدعوات التي أطلقها حزب البديل الألماني، ثاني أكبر الأحزاب في البلاد، تؤكد أن هناك نية لدى تلك الأحزاب الشعبوية لفرض أجنداتها متى تحين الفرصة لتطبيق ذلك، والأمر كذلك في إيطاليا، ناهيك عن المقاطعات الكبرى التي ترغب بالخروج من عباءة الدول الكبرى وتأسيس كيانات مستقلة “كتالونيا- بافاريا”.
في الوقت عينه ترد القوى المطالبة ببريكست بأن دعوات المعارضة هي تهويل وتضخيم بهدف واحد هو الوصول إلى “10 داوننغ ستريت” عبر انتخابات مبكرة، متسائلين: كيف ستتعامل المعارضة في حال تم إجراء استفتاء ثانٍ على الخروج إن جاءت نتائج الاستفتاء مطابقة للأول أي الخروج؟.. هل سيضربون بنتائج الاستفتاء عرض الحائط وهم من طالب به؟. بالتأكيد لا، سينفذون نتائج التصويت وينسحبون، بمعنى آخر أن الصراع حالياً هو على رئاسة الحكومة.. ولهذا رأينا كيف صوت النواب المحافظون في المرة الأولى ضد بريكست ومن ثم دافعوا عن تيريزا ماي في الثانية كي لا تسقط حكومة المحافظين.
أما الجانب الأوروبي الذي جاءت ردة فعله أقل من عادية على سقوط الاتفاق في مجلس العموم البريطاني، بل تأكيده على أن الاتفاق غير قابل للتعديل، مطالباً لندن بموقف واضح وسريع، هو برأي مراقبين ضغط ضمني من مسؤولي بروكسل على لندن لعلها تعود عن خروجها وبالتالي تحافظ على وحدة الاتحاد وتماسك أعضائه، وإلا فالقادم ربما لن يستطيع أحد تحمله في أوروبا بأكملها.
ما هو مؤكد لغاية اليوم أن أحداً لا يريد تحمل تبعات الخروج “بريكست”: لا حكومة المحافظين ولا المعارضة العمالية، وكل ما في الأمر أن كل فريق يحاول كسب نقاط أمام شارعه الانتخابي، لذا فالأمور مرشّحة إلى مزيد من التعقيد، ويمكن القول إن ظهور السترات الصفراء في شوارع لندن الأسبوع الماضي ورفعها شعارات عنوانها رفض بريكست قد يكون البداية لشرارة مواجهات كبيرة.
سنان حسن