لا قمة بلا سورية وقضية فلسطين..
من الصعب على المراقب الموضوعي أن يقتنع بأن انخفاض مستوى التمثيل في القمة العربية التي عُقدت أمس في بيروت هو مسألة شكلية لا تؤثر كثيراً على نجاحها، ولا سيّما أنها قمة تنموية تُركّز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وليس على القضايا السياسية. فليست المصادفة ولا الخلافات العربية البينية هي التي أدت إلى غياب معظم الرؤساء والملوك والأمراء العرب عنها، ومن وجهة نظر موضوعية بحتة يمكن القول إن القمة كان يمكن أن تكون فرصة أمامهم لحل الكثير من الخلافات التي أوصلت الوضع العربي إلى أسوأ حالاته وأكثرها تردياً، لكن ذلك كان ممكن الحدوث في حالة واحدة هي توفّر الإرادة السياسية الرسمية العربية، وهذه الإرادة كانت بدورها ستتطلب حرية القرار، والحال أن القرار الرسمي العربي الحر كان ومازال من المستحيلات، ما يعني، بكل تأكيد أن معظم الذين غابوا عن القمة فعلوا ذلك بأمرٍ أمريكي، وبالتالي صهيوني…
أما لماذا أمرتهم أمريكا بذلك، فلأنها بكل بساطة لا تريد للوضع العربي أن يشهد أي تحسن، بل أن يبقى وضعاً خلافياً مأزوماًً من جهة، ولا تريد للبلد الذي تمكنت مقاومته من إلحاق الهزائم النكراء بالعدو الصهيوني أن يحقق أي إنجاز سياسي عربي يُسجّل لعهده الحالي.
إن فكرة فصل الاقتصادي عن السياسي في الحالة العربية المأزومة الراهنة تبدو فكرة شديدة الطوباوية، ولا ندري كيف يمكن للمتناقضين سياسياً تناقضاً وجودياً أن يتفقوا اقتصادياً، وأن يُغلّبوا المصالح الاقتصادية المشتركة على الخلافات السياسية المقسّمة، ولا تكفي قرارات القمة، مهما بدا بعضها مهماً في المجال الاقتصادي، للقول إنها حققت النجاح المطلوب، فمن المعروف، كما ثبت من تجارب القمم السابقة، أن قراراتها التي تجد طريقها إلى التنفيذ هي فقط تلك التي تساهم في تدمير الدول العربية الوطنية، من قبيل شرعنة عدوان “الناتو” على ليبيا، وتعليق عضوية سورية في الجامعة، وغيرهما من القرارات التي أصابت، وتصيب الأمن القومي العربي في مقتل، أما القرارات التي تخدم المصالح العربية الوطنية والقومية، فهي نادراً ما تُتخذ، وإذا اتخذت فإنها تبقى، رغم إلزاميتها، حبراً على ورق…
لا يقلل هذا من أهمية الجهد الذي بذله لبنان من أجل إنجاح القمة. لكن هذا لا يكفي للقول إنها نجحت أو إنها حققت ما تنتظره الجماهير العربية في مختلف أقطارها، وماذا يمكن لقمة، حتى ولو كانت اقتصادية، أن تفعل إذا كانت لم تتمكن من جمع الحكام العرب، وبقي مقعد الدولة العربية السورية التي أنقذت الأمة من الوحش الإرهابي التكفيري أداة المشروع الأمريكي الصهيوني فارغاً فيها…
هي قمة انعقدت في أجواء الخلافات السياسية العربية المستمرة، والتدخل الأمريكي السافر، وحراك الشارع العربي الذي يزداد ابتعاداً عن الأنظمة الرسمية، وانخراطاً في مواجهة سياساتها التابعة، وجاء العدوان الصهيوني الجديد على سورية يوم القمة، وإفشال أهدافه من قبل الدفاعات السورية، ليؤكد أن العرب لن يعرفوا العيش الكريم والمستقبل المزدهر، ما دامت “إسرائيل” العنصرية موجودة، وتحتل أجزاء مقدسة لا تتجزأ من أرضهم، وأنه ما لم يتم التصدي لهذا العدو ومقاومته، فإن طريق الاستقلال والتنمية والتكامل والتقدم مغلقة في وجه العرب، ومن هنا فإن أي قمة عربية، حتى وإن كانت اقتصادية، تغيب عنها قضية فلسطين، ولا تحضرها سورية هي قمة بعيدة عن تلبية الطموحات الوطنية والقومية للجماهير العربية على امتداد الوطن الكبير.
محمد كنايسي