عن “المنطقة الآمنة” والعدوان “الإسرائيلي” الجديد
تنتمي “المنطقة الآمنة” التي يدور الحديث عنها هذه الأيام بين أنقرة وواشنطن، كما التزامن الفاضح بين العدوان “الإسرائيلي” والتفجير الإرهابي الأخير في دمشق، إلى مجال سياسي إجرامي واحد أراد منه الفاعل، وهو واحد بالنهاية في الحالات الثلاث، القول: إن الأزمة السورية لم تتجاوز المربع الأول الذي كانت فيه عامي 2011 و2012، وإن ما كان مرسوماً حينها لدمشق لا يزال صالحاً للتنفيذ الآن رغم كل الأحداث والمتغيّرات التي طرأت على الأرض منذ ذلك الزمن وحتى الآن.
الفاعل، وهو واحد كما أسلفنا، لا يريد لدمشق أن تنهض من تحت ركام أزمتها إلا بشروطه التي فرضها على أغلب دول المنطقة، وهي باختصار كامل: الإركاع والاستتباع، وبالتالي فهو يكذب عندما يتحدّث عن حل سلمي، وكل كلام له في هذا السياق لا يعني به سوى حل سورية سياسياً، وإذا تعذّر ذلك فجغرافياً، وكل تشدّق بالتزامه “وحدة الأراضي السورية” يستبطن نيته تقسيمها، وكل حديث له عن محاربة الإرهاب يعني انخراطه أكثر في رعايته والاستثمار به لتحقيق أهداف جيوسياسية مجرمة.
وإذا كانت التفجيرات الإرهابية بواسطة ما يسمى بالخلايا النائمة أمراً “معتاداً” في نهايات الحروب، والاعتداء “الإسرائيلي” يستبطن – إلى جانب أهدافه الدائمة في القضاء على أي بؤرة مقاومة للمشروع الصهيوني– هدف داخلي يتمثّل بمحاولة استغلال قوة وثقل ورقة الأمن في صناديق الانتخابات لإنقاذ المصير الشخصي والسياسي لـ”نتنياهو”، وهو حقيقة في مأزق سياسي وقضائي قد يدفعه لإشعال المنطقة بكاملها، إلا أن “المنطقة الآمنة” تشي بأبعد من ذلك، فإلى جانب كونها رهاناً “أردوغانياً” قديماً في سياق مشروعه السلطاني الإخواني، إلا أن طرحها أمريكياً بهذا الشكل وهذا التوقيت وخارج الشرعية الدولية – في القانون الدولي يستوجب أمراً مثل هذا قراراً أممياً صادراً عن مجلس الأمن- يقع ضمن سياسة واشنطن القاضية بصب الزيت على النار كلما خمدت، حتى لو احترق بها الحلفاء أنفسهم، تحقيقاً لفكرة الفوضى الدائمة والبؤر المشتعلة على النار الأمريكية حصراً، فـ”الآمنة”، بهذا المعنى، تخدم هذه السياسة، خاصة وأن الفهم المختلف لحدودها ودورها المستقبلي بين المطالبين بها كالأتراك، والقابلين بها كبعض الداخل السوري، والصامتين عنها كواقع سياسي مرحلي يجعل من الاصطدام بينهم من جهة، وبينهم وبين الرافضين لها، من جهة أخرى، أمراً وارداً في أي لحظة، وهو ما قد يجر المنطقة بأكملها إلى ما لا تحمد عقباه.
نهاية القول: أكثر من أي مرة سابقة تبدو المنطقة جاهزة للانفجار في أي لحظة في ظل المشاريع الخارجية المندفعة – “تهيّج” بدورها بعض الأوهام التقسيمية الداخلية – وأخطرها المشروع التركي بنسخته الخلافية الماضوية ومطامع قائده “أبو البراء” التركي الرامية للحلول سياسياً وجغرافياً مكان “أبو بكر البغدادي”، والمشروع الأمريكي – الإسرائيلي بنسخته الامبريالية التوسعية المدمّرة والمألوفة، وهما مشروعان متقاطعان في جوهرهما وأهدافهما النهائية، وقد كان مدير الاستخبارات التركية السابق اسماعيل حقي بيكين صريحاً حين قال: “إن ما حصل في سورية هو جهد وتنسيق بين تركيا وإسرائيل” وبالطبع واشنطن من خلفهما”، وفيما يمكن فهم المشروع الأمريكي – الإسرائيلي دون تفهّمه قطعاً، إلا أن المشروع التركي لا يمكن فهمه ولا تفهّمه أيضاً، فالمنطقة، والأتراك ضمنها، تحتاج لسياسات آمنة لا مناطق آمنة، وحدود عازلة للإرهاب لا استرادات مفتوحة له، وتشبيك بين دول المنطقة لا اشتباك معها تحت سيطرة أوهام استعادة “ميراث الأجداد” كما أطلق “أردوغان” على أحلامه مؤخراً، وهو ما لم يفهمه التركي المنتشي بتقدّم مشاريعه اليوم، متجاهلاً أنها مشاريع “قلقة” لأن أهل المنطقة، من جهة أولى، سيقاومونها وبكل الوسائل الممكنة حتى النهاية، كما أنها تقف، من جهة ثانية، على شفا “تغريدة” واحدة من حليف لا يريد سوى الأتباع، وقد أثبت التاريخ البعيد والقريب أن “المتغطي به عريان”، لكن ما أكثر العبر وأقل الاعتبار.
أحمد حسن