فصاحة
قال هشام لحاجبه : أبغي رجلاً عربياً فصيحاً يُحادثني ويُنشدني.. فطلب له ما طلب فوقف على (أبي النجم), فأتى.
فلما دخل به إليه قال: فمن كان أبا مثواك؟ قال: رجلين: كلبياً وتغلبياً, أتغدى عند أحدهما وأتعشى عن الآخر. فقال ما لك من الولد؟ قال: ثلاث بنات وبُنيّ, فقال هل زوجت بناتك ؟ قال: نعم, زوجت اثنتين، واحدة تجمز (تسرع), في بيوتنا كأنها نعامه, قال: فما وصيت به الأولى؟ وكانت تسمى بره, قال:
أوصيتُ من برة قلباً حُراً
بالكلب خيراً والحماة شرّا
لا تسأمي ضرباً لها وجراً
حتى يروا حُلوَ الحياة مُراً
وإن كستك ذهبــاً ودراً
والحــيَّ عُميهم بشر طــرّا
فضحك هشام وقال: فما قلت للأخرى؟، قلت:
سُبي الحماة وابهتي عليها
وإن رنتْ فازْدلفي إليها
وأوجعي بالفهر ركبتيها
ومرفقيها واضربي جنبيها
لا تخبري الدهر بذاك ابنيها
فضحك هشام حتى بدت نواجذه ثمّ قال: ما قلت في الثالثة وفي تأخير تزويجها؟، قلت:
كــأن ظلامة أخت شيــبانْ
يتــيمةٌ ووالــداها حيَّــان
الجيدُ منها عـطلٌ والآذان
وليس في الرجلين إلا خيطان
فهي التي يذعر منها الشيطان
فقال هشام لحاجبه: ما فعلت بالدنانير المختومة التي أمرتك بقبضها؟
قال: هاهي عندي ووزنها خمسمئة, قال: ادفعها إلى (أبي النجم) ليجعلها في رجلي ظلامة مكان الخيطان.