الحرب السايبرية على سورية
د. مهدي دخل الله
لا شك في أن التطورات تظهر تراكم الفشل في الحرب الخشنة على سورية، وهي حرب استخدمت فيها أسلحة نوعية أدت إلى قتل وتدمير لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلاً إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم سورية الجغرافي والبشري والاقتصادي. لم تحقق هذه الحرب هدفها الأساسي، أي القضاء على الدولة وترك سورية لمصيرها، وفي رأس القائمة تقسيم البلاد..
ويبدو أنه جاء دور الحرب الناعمة التي لا يقل خطرها عن خطر الخشنة، بل ربما يزيد لأن أدواتها تتسرب إلى جسد الوعي والثقافة، فتنخر فيه من الداخل بطريقة غير مرئية…
وضروب الحرب الناعمة كثيرة، وأدواتها ومجالاتها متعددة من أهمهما الحرب السايبرية التي يدخل جزء منها في الحرب الخشنة وآخر في الناعمة.. الجزء الخشن هو ذاك المتعلق باستخدام التكنولوجيا الالكترونية في تصميم وتنفيذ خطط الهجوم أو الدفاع، أما الجزء الناعم فهو الذي يركّز على استخدام أدوات التكنولوجيا السايبرية من أجل بث الإشاعات والأخبار الكاذبة المدعاة والتضليل المبرمج..إلخ.
لقد اشتد في الآونة الأخيرة الهجوم الفيسبوكي على الوعي لدى السوريين. مواقع متعددة نشأت في بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وتركيا وغيرها موجهة نحو سورية تقوم بنقل أخبار كاذبة عن كل شيء بما في ذلك عن السيد الرئيس وأسرته، عن الأزمة في الطاقة، عن المواقف السياسية السورية، وغير ذلك من المواضيع التي تهم المواطن عندنا..
الهدف واضح.. اختراق الوعي، وتمزيق المجتمع من الداخل، خاصة وأنه في حالة الحرب تكون العواطف جياشة والأحاسيس مستنفرة والاهتمام بالشأن العام في أقصاه..
ولما كانت الحرب تفرض نوعاً من الفوضى، حيث يتراجع اليقين، وتتصارع احتمالات كثيرة، فإن غزو الوعي يصبح أكثر سهولة، والتصديق يتخلى عن معايير الثقة والفحص، والقبول لا يهتم كثيراً بميثاقية المصدر ومصداقيته..
سأورد مثلاً واحداً فقط.. قبل أيام ادعى أحد المواقع الفيسبوكية، ومركزه لندن، أن صحيفة تشرين نشرت افتتاحية تعرض موقفاً سياسياً سورياً جديداً يتناقض مع المواقف المعهودة والتي دفعنا تضحيات جمة للدفاع عنها وحمايتها. طبعاً كل شيء كان مجرد ادعاء وكذب من ألفه إلى يائه.. ويبدو أن العاملين في الموقع لا يهمهم إن كان ما يدعونه صحيحاً أم لا.. يهمهم أن غالبية المتابعين لن يدققوا، ولن يراجعوا الصحيفة ليتأكدوا.. ولا شك في أن الموقع نجح في إثارة بلبلة واسعة لدى الرأي العام والمتابعين في سورية والوطن العربي، وهذا بالنسبة له كاف. فلقد تلقيت اتصالات كثيرة حول الموضوع، كما أن صحفيين في لبنان، وربما في بلاد عربية أخرى، علّقوا وحللوا كلٌ حسب توجهه وأهدافه..
ما هي الطريقة كي ننبه الرأي العام عندنا من مخاطر هذا النوع من الحرب السايبرية؟؟ ربما من المفيد نشر تحذيرات دائمة على الهواتف النقالة.. وكذلك على لوحات الإعلانات في المدن، وفي الصحف والتلفزيون ووسائل الإعلام كافة.. وربما هناك حلول أخرى!!.
mahdidakhlala@gmail.com