بذلك فقط..؟
يُسمع ويُكتب ويتم الترويج في الإعلام بمختلف أنواعه – وخاصة الإعلام الخاص – عن مشاريع استثمارية، يتم إلباسها لبوس إعادة الإعمار، حتى ليخال واحدنا أن تلك المشاريع ستنتقل بالاقتصاد السوري وسورية من حال إلى حال، والأنكى ما يُبنى عليها من آمال إنقاذية تنعش المجتمع..!
ولو دققنا قليلاً في ماهية مثل هذه المشاريع، لوجدنا أنها عبارة عن مشاريع ريعية، تتصف بسرعة دوران الرأسمال المُستثمر بها، وبالتالي الأرباح المتوقع تحقيقها..!
الغريب في الأمر، والذي لا يكاد أحد يتحدث عنه أن هذه المشاريع تقع في مناطق الاستقرار الزراعي، لا بل أن أغلبها يوجد في المنطقتين الأولى والثانية..!
أما الأكثر غرابة فهو أن يكون هناك قرار حكومي بتخفيض بدل الاستثمار السنوي في الأراضي الزراعية (أقره مجلس الوزراء من فترة قصيرة)، وعلى ما نذكر للأراضي التي تعود ملكيتها للدولة..!؟
مثل ذلك القرار من الضروري أن يظل تحت مجهر العين الرقيبة، منعاً لأي تحريف له ولغير أهدافه، وتحديداً لمشاريع الإنتاج والتصنيع الزراعي، إذ إن الخوف يكمن في تحويل الأراضي الزراعية إلى ملكيات ريعية..!
قد يفهم الكثير أننا ضد المشاريع الريعية، وهذا تجنٍ علينا، فنحن مع تنوع الاقتصاد ومع كل مشاريعه، شرط أن يكون هذا التنوع محدداً وبنسب واضحة وفقاً لأهداف عملية إعادة الإعمار الحقيقة التي تحتاجها سورية في المرحلة المقبلة، وبتوظيفات رأسمالية مدروسة وموجهة الوجهة الصحيحة، وهي تحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي لا الريعي. وللعلم أن المستفيدين من الاقتصاد الريعي قلة قليلة، بعكس الاقتصاد الحقيقي الذي تشمل فوائدة الكل.
وللعلم أيضاً أن مشكلة الاقتصاد الريعي لا تنحصر فقط أنه أحادي الجانب، وفي اعتماده على القطاع الريعي فحسب، لا بل إن هذهِ الأحادية تسهم وبشكل كبير وبسبب غياب الإدارة الكفوءة وضعف الإرادة الجادة وضبابية الرؤية الاستراتيجية بتعطيل القطاعات الاقتصادية وخصوصاً الإنتاجية، التي تمثل لُب متانة النمو الاقتصادي، عندما تكون نشطة وفعّالة.
يكاد يجمع خبراء الاقتصاد على أنه ومن أجل تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة متانته في البلدان التي تعاني من ريعية اقتصاداتها وهشاشة نموها، لابد من العمل على أربع قضايا رئيسة:
أولاً: وضع رؤية اقتصادية تهدف إلى بناء قاعدة إنتاجية متنوعة وخصوصاً الزراعية والصناعية والتحويلية وغيرها، تكون قادرة على تلبية الطلب المحلي والخارجي ومواجهة الأزمات.
ثانياً: تحديد دور وحدود كل من الدولة والقطاع الخاص لتلافي التقاطعات التي تحصل في ظل غياب تحديد أدوارها، على أن تعطى الأولوية للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وتأخذ الدولة دور الإشراف والإنقاذ وقت الأزمات، والأدوار التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها.
ثالثاً: الاهتمام بالبيئة الاستثمارية من جهة عامة كالاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي وغيرها، ومن جهة خاصة بالاستثمار من حيث المزايا والضمانات والإعفاءات والالتزامات وغيرها، حتى تكون بيئة جاذبة للاستثمار وليس طاردة.
رابعاً: توجيه بعض العائدات الريعية نحو بناء القاعدة الإنتاجية من جانب، وتوجيه البعض الآخر نحو طريقة أخرى كالصناديق السيادية كحقوق للأجيال اللاحقة.
وبذلك فقط يكون الاقتصاد أكثر عدالة.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com