دراساتصحيفة البعث

تفجير منبج.. الــــ”سي آي إيه” في قفص الاتهام

 

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع ستراتجيك كالتشر فاونديشن 18/1/2019
سارعت وسائل الإعلام الأمريكية لاستثمار مقتل أربعة عسكريين أمريكيين في سورية لتقويض خطة ترامب لسحب القوات الأمريكية من سورية. وذكرت تقارير أن انتحارياً نفّذ الهجوم القاتل الذي وقع في مدينة منبج على الضفة الغربية لنهر الفرات، وقد أعلنت جماعة إرهابية تابعة لتنظيم “داعش” مسؤوليتها، إلا أن الجماعة الإرهابية تقوم بشكل متكرر بتقديم مثل هذه الادعاءات التي يتبيّن فيما بعد أنها زائفة!.
وقد كان جنود أمريكيون في دورية يومية بمنبج في حملة مزعومة ضد “داعش” وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى. وأسفر الانفجار الذي حدث في مطعم عن مقتل جنديين أمريكيين ومسؤولين مدنيين في البنتاغون، إضافة إلى إصابة ما يزيد على اثني عشر جندياً آخر.
وقد سلّطت وسائل الإعلام الأمريكية الضوء على التفجير باعتباره أكبر حصيلة قتلى للقوات الأمريكية في سورية منذ بدء عملياتها في البلاد قبل نحو أربع سنوات.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يسيطران على منبج منذ أكثر من عامين، وهي أحد المواقع الرئيسية التي ستنسحب منها القوات الأمريكية بموجب خطة خروج ترامب التي أعلنها في 19 كانون الأول.
في أعقاب التفجير نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً بعنوان: “مخاوف حول سحب القوات إثر هجوم لـ داعش أدى لمقتل 4 أمريكيين في سورية”. ويخلص التقرير إلى أن الأخبار أثارت دعوات من الجمهوريين والديمقراطيين للرئيس ترامب لإعادة النظر في خطط سحب القوات من البلاد. فيما نشرت “الواشنطن بوست” مقالاً سلّطت من خلاله الضوء على أن مقتل الجنود الأمريكيين الأربعة في سورية نتيجة لسياسة ترامب. وأضافت الصحيفة: إن التفجير أظهر “داعش” كقوة لا يُستهان بها في سورية في المستقبل المنظور. واقتبست عن سياسيين في واشنطن زعمهم أن القصف والقتل كانا نتيجة مباشرة لقرار الانسحاب المفاجئ، وضرورة البقاء.
من جهته، قال السيناتور الديمقراطي “جاك ريد” عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ: “ظننت منذ البداية أن الرئيس كان على خطأ (في ترتيب الانسحاب).. لقد كان خطأ استراتيجياً للمنطقة بأكملها”.
وبغرور كبير، بدأ الساسة المناهضون لترامب ووسائل الإعلام باستثمار مقتل القوات الأمريكية في منبج لتسجيل نقاط ضد ترامب.
ومع ذلك، على الرغم من مقتل الجنود، صرح ترامب ونائبه مايك بينس بأنهما ما زالا ملتزمين بإعادة القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 تقريباً إلى الوطن.
من الواضح أن هناك انقساماً خطيراً في واشنطن حول سياسة ترامب بشأن سورية، فبالنسبة للديمقراطيين والمنافذ الإعلامية الداعمة فهي تعارض كل ما يفعله ترامب، لكن هناك أيضاً عناصر ترتبط بالجيش والاستخبارات تعارض بشدة سياسته، ويبرّر هذا جزئياً استقالة وزير دفاعه جيمس ماتس بعد أيام من إعلان ترامب الانسحاب.
في الواقع بعد أن تمّ هدر الوقت والمال في مكائد تغيير الحكومة السورية، من المحتّم أن تظهر أذرع عسكرية واستخباراتية أمريكية تقاوم تحرك ترامب. وهذا لا يعني أن تحرك ترامب ينذر بعائد جيد للمنطقة، بل إنه أقرب إلى “تغيير تكتيكي” لكيفية عمل الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط، وفق ماذكر وزير خارجيته مايك بومبيو في القاهرة.
هذا هو السبب في أن أمر ترامب بإخراج القوات من سورية قد لا يكون انسحاباً واضحاً. لقد حاول مستشاره للأمن القومي جون بولتون أثناء جولته في الشرق الأوسط الأيام القليلة الماضية تقويض قرار ترامب من خلال ربط الظروف الغامضة بانسحاب القوات، وتحدث بولتون وبومبيو عن ضرورة تأكيد هزيمة كاملة لـ”داعش”.
يثير هذا الأمر تساؤلاً حول من الذي نفّذ التفجير في منبج؟ هل كان حقاً تفجيراً انتحارياً نفذه “داعش”؟ خاصة وأن العديد من المراقبين أشاروا إلى أنه لم يكن لتنظيم “داعش” أي وجود في منبج خلال العامين الماضيين منذ أن سيطر الأمريكيون وحلفاؤهم على المدينة.
وكما هي الحال دائماً، يبرز السؤال الرئيسي: من المستفيد من قتل القوات الأمريكية؟ ويشير حجم الهجوم إلى أنه تمّ تنفيذه لإيصال رسالة سياسية حادة إلى ترامب.
وعلى الأرجح، المستفيد الأكبر من الهجوم هم المقاتلون المحليون الذين يمكن أن يؤدي التخلي عنهم بسبب الانسحاب الأمريكي المرتقب، لأن يكونوا عرضة لهجوم تركي محتمل عبر الحدود للقضاء عليهم. يمكن أن يكون الحساب الميكافيلي هو “دحض” ترامب حول هزيمة “داعش”، وأن القوات الأمريكية ضرورية لمنع أي عودة للجماعة الإرهابية في منبج وشمال شرق سورية. ومن المؤكد أن الطريقة التي تفاعلت بها وسائل الإعلام المناهضة لترامب في الولايات المتحدة بكل هذه الحماسة والتقارب يوحي بأنه كان هناك شيء أكثر ملاءمة حول تلك المذبحة.
في الواقع، سيكون من السذاجة ألا نشك بأنه يمكن لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تلفيق التهمة في منبج. وكما حدث في حرب فيتنام في خمسينيات القرن الماضي، بحسب غراهام غرين في كتابه “أمريكا الهادئة”، فقد كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تقوم بهذه الحيل القذرة بارتكاب تفجيرات فظيعة واغتيالات لعقود من الزمن لإيجاد الذرائع بشنّ الحروب على دول أخرى تعتبرها الوكالة من ضمن المصالح الأمريكية الجيوسياسية.