أشباح من صفقة القرن…
د.صابر فلحوط
تتوالى الدراسات والبرامج والمخططات واستطلاعات الرأي يوماً بعد يوم، حول ما سمي مؤخراً بصفقة القرن، وهي الاسم “الحركي” لتسليم المنطقة العربية برمتها إلى الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والامبريالية الجديدة، وتوزيع دماء القضية المركزية للأمة على “القبائل العربية” !!.
فقد انتقل أعداء العروبة من مرحلة “الربيع الدامي” الذي انتصرت فيه سورية، ومعها كل شرفاء الأمة وأحرار العالم، على الإرهاب التكفيري الوهابي النفطي، إلى مرحلة ما بعد انتقال السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ومسلسل الزيارات الفضائحية العلنية بين المسؤولين الإسرائيليين وبعض العواصم العربية، وصولاً إلى فتح خزائن الأسرار جميعاً !!.
فلم يعد الحديث عن “الشرق الأوسط الجديد”، أو الفوضى الخلاقة، أو “حلف المعتدلين العرب”، أو “الناتو العربي”، أو الاحتواء الكبير، أو مقايضة “العبقرية المدهشة” بالذهب المكدس، أو دعاوى الصهيونية بميراثها من “النيل إلى الفرات”، بجديد على الإسماع وكواشف الإعلام، بل انتقلت الدراسات الصهيونية والتي تعبّر عنها الصحف “العبرية”، وكأنها مسلمات وحقائق فوق النقد، فليس “مهماً” أن تُعلن بعض جوانب “الصفقة” حول خطوط نقل النفط والغاز التي ستجتاز الخليج وما حوله وجواره، من أقصاه إلى أقصاه، لتحكم الربط بين الدارين – الخليجية والصهيونية، ولم يعد يلفت النظر الإعلان عن إقامة الخطوط الحديدية بين حيفا المحتلة وعواصم بعض الدول العربية المطبّعة تحت الطاولة أو فوقها، وكذلك تمديد شبكات المواصلات والجسور التي تجعل موانىء فلسطين المحتلة مناخاً مريحاً لبضائع العدو تصديراً واستيراداً !.. إنما الجديد، فوق هذا كله، أمران جديران بالتوقف، ولو هنيهات، عندهما: الأول يتناول نظرية (نشوء وارتقاء) أصحاب العباءات “والعُقل” التي تدّعي العراقة العربية والتي يحاول الإعلام الصهيوني خردقة هويتها، وتفكيك تاريخها، حيث يؤصل، ويوثق وجودها وأصولها اليهودية في خيبر ومشتقاتها في الزمن السحيق، ويؤكد “هذا الإعلام الصهيوني” احتراق جذور نواطير النفط اليوم في تربة العروبة بالأمس !!.
والمسألة الثانية التي يركّز عليها الإعلام الصهيوني هي الديون الصهيونية القابعة في أعناق الأجيال العربية الراهنة والمستقبلية، والتي تعود إلى زمن نشوء الكيان الصهيوني عام 1948 لليهود الذين كانوا “مواطنين” في العديد من الدول العربية، في مشرق الوطن ومغربه، ثم هربوا إلى “إسرائيل” مخلّفين، “كما يدّعي الإعلام الصهيوني” المليارات من المصانع، والمحال التجارية، والعقارات وغيرها !!.
وهذا يعني أن ارتدادات زلزال “صفقة القرن” سوف ترتّب على كل طفل عربي يولد غداً من الديون للعدو ما يحتاج تسديدها إلى عشرات السنين إن استطاع إلى ذلك سبيلا !!
هذا بصرف النظر عن تلميحات الصحافة الصهيونية التي تؤكد أن الأهرام في الجيزة ومصر المحروسة، ومكة المكرمة في الديار المقدسة، ليسا إلّا من ثمار “العبقرية الصهيونية”، وأن استثمارهما طوال القرون السالفة لا بد أن يكون ضمن عوائد خزينة العدو، وهنا لا بد أن نستذكر الملاحظة التي أوردها “ميناحيم بيغن” رئيس وزراء العدو خلال مباحثات كامب ديفيد في مدحه للرئيس السادات مخاطباً الرئيس الأمريكي كارتر، قائلاً: (لقد تحمّل الرئيس السادات من الصبر علينا خلال المحادثات، ما يذكّرنا بصبر أجدادنا اليهود يوم عمّروا الأهرام في مصر قبل خمسة آلاف سنة)، وما كان من “السادات” إلّا أن قهقه، فضحك الجميع !!.
ولعل مسلسل صفقة القرن يجعل من الصعب أن نتصور نهاية لكوارثها، ذلك أن ما أشير إليه ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد الصهيوني !!.
أما تجديد ادعاءات نتنياهو الأخيرة حول الطلب من أمريكا الضغط لتهويد الجولان العربي السوري والتي دونها “خرط القتاد”، فلها حديث خاص وطويل، وأقل عناوينه استعداد سورية ومعها محور المقاومة، وشرفاء الأمة العربية لخوض أكثر من حرب، ولو كونية من أجل الجولان وفلسطين من بحرها إلى نهرها، مؤمنين إلى آخر حدود النبض بقولة كبيرنا وحكيمنا الزعيم الخالد حافظ الأسد:
(إن مجابهة أمريكا والصهيونية أحقن دماً، وأحفظ كرامةً، لمن يملك الحق الساطع، والشعب الواسع، والعزائم الفولاذية).