الحكومة التونسية.. تحديات بالجملة وإضراب ثالث يهددها
دعا الاتحاد التونسي للشغل إلى إضراب وطني جديد الشهر المقبل، وهو الثالث منذ تشرين الثاني الماضي، يستمر ليومين، للضغط على الحكومة وحملها على رفع أجور مئات آلاف الموظفين.
ونفّذ الاتحاد الخميس الماضي إضراباً عاماً شلّت خلاله حركة النقل الجوي والبري، وتوقّفت أغلب الخدمات، وتظاهر الآلاف في شوارع العاصمة تونس وعدة مدن.
ويأتي تصعيد اتحاد الشغل، في خطوة قد تزيد الضغوط على حكومة يوسف الشاهد، التي تعاني في جهودها لإنعاش الاقتصاد المتعثر.
ويؤكّد اتحاد الشغل أن متوسط الأجر الشهري بحوالي 250 دولاراً، يعد واحداً من أدنى الأجور في العالم، فيما تقول الحكومة: إن الاستجابة لمطلب النقابة بزيادة تصل إلى 850 مليون دولار ستزيد من التضخم ليصل إلى أكثر من عشرة بالمئة من حوالي 7.4 % حالياً.
وما يثقل كاهل الحكومة التونسية، كذلك، تعرّضها لضغط قوي من صندوق النقد الدولي، الذي يطالبها بالتحكّم في كتلة الأجور لخفض عجز الميزانية ضمن حزمة إصلاحات يشترطها لمواصلة إقراض تونس.
وأعرب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، عن استعداد النقابة المركزية للتوصل إلى حل مع الحكومة حول زيادة أجور الموظفين قبل تنفيذ الإضراب العام الثالث في شباط المقبل، وأضاف: “لا نريد الإضراب لغاية الإضراب.. نأمل في التوصل إلى حل”، وأردف: “أعلنا عن إضراب عام جديد خلال الشهر القادم، ونأمل في التوصل إلى حل، ولكن ليس بأي ثمن”.
وكان الطبوبي أعلن السبت: “أمام انسداد المفاوضات مع الحكومة.. قرّر الاتحاد تنفيذ إضراب عام وطني في الوظيفة العامة والقطاع العام (الشركات العامة) يومي 20 و21 شباط المقبل”، وأكد أن الهدف من “هذا القرار التاريخي ليس الإضراب للإضراب، وإنما التوصل مع الحكومة لإيجاد حلول لتنقية المناخ الاجتماعي وضمان الاستقرار”.
وأقر الطبوبي بانسداد التفاوض مع حكومة الشاهد في إيجاد الحلول الملائمة للزيادة في الأجور، مستدركاً “أنهم لا يطالبون بالزيادة، بل بتعديل المقدرة الشرائية للعاملين في قطاع الوظيفة العمومية”.
ورفض الاتحاد قبل إضراب الخميس مقترحاً تقدّمت به الحكومة، ويقضي بزيادة تتراوح بين 180 و135 ديناراً، أي ما يعادل 40 و55 يورو، على سنتين بداعي ارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ 7.5 بالمئة في عام 2018.
كما يشترط الاتحاد الحصول على ضمانات من الحكومة بعدم بيع مؤسسات حكومية للقطاع الخاص.
وكان الشاهد أعلن أن المالية العمومية في البلاد لا تتحمّل الزيادات في الأجور، فيما ينتقد الاتحاد انسياق الحكومة التونسية لإملاءات المؤسسات المالية الخارجية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي.
وحصلت تونس، التي تعاني صعوبات مالية، في 2016 على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.4 مليار يورو على أربع سنوات، مع الوعد بتنفيذ إصلاحات واسعة.
وزار وفد عن أبرز المانحين الدوليين الثمانية في تموز 2018 تونس للدعوة إلى الاستمرار في هذه الإصلاحات، وخصوصاً منها التقليص من كتلة الأجور في القطاع العام.
ويتزامن الإضراب مع تزايد التجاذبات السياسية في البلاد، مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرّرة نهاية 2019.
يذكر أن الخلاف بين الحكومة واتحاد الشغل ألقى بظلال ثقيلة على العملة الوطنية (الدينار) التي هوت في السنوات الأخيرة إلى أدنى مستوياتها، لتستقر الثلاثاء عند عتبة 3 دنانير أو أدنى بقليل مقابل الدولار، بعد أن تعافت نسبياً في الأيام القليلة الماضية.
وتُبدّد المؤشرات الاقتصادية الراهنة كل الآمال المعلقة على تحسّن الوضع الاقتصادي، وبالتالي تحسن الوضع المعيشي للتونسيين، في الوقت الذي تتزاحم فيه الأحزاب وضمنها أحزاب الائتلاف الحاكم على تأمين حظوظها في الانتخابات العامة.
والأزمة متعدّدة الرؤوس، اجتماعية واقتصادية وسياسية، والتي ضربت تونس على مدى سنوات، ليست حدثاً طارئاً، فقد فشلت كل الحكومات المتعاقبة في حل الأزمة الاقتصادية لأسباب تتعلق بغياب إرادة سياسية، وأخرى تشمل تعثر كل القطاعات الإنتاجية والحيوية، بما في ذلك إنتاج الفوسفات على سبيل الذكر لا الحصر، كما عمّقت الاعتداءات الإرهابية، خاصة في 2015، جراح الاقتصاد التونسي ودفعت بقطاع السياحة، أحد أهم مورد للعملة الصعبة، إلى أزمة لم يتعافَ منها إلا في العامين الأخيرين.
ويعد عجز الميزان التجاري التونسي أحد أسباب رئيسة لهبوط العملة الوطنية، إضافة إلى تباطؤ نمو الاستثمارات الأجنبية وارتفاع قياسي في معدل التضخم، ووفق بيانات رسمية صدرت في وقت سابق من الشهر الحالي، بلغ العجز التجاري لتونس خلال 2018، رقماً قياسياً عند 19.04 مليار دينار (6.45 مليارات دولار) مقابل 15.59 مليار دينار (5.28 مليارات دولار) في 2017.