بانتظار التسليم بالهزيمة
الفوضى الاستراتيجية التي نعيشها في العلاقات الدولية، والتي فرضها فشل المشروع الصهيوأمريكي في منطقتنا في ضوء الصمود السوري، وانكشاف حقيقة نوايا الغرب من “الربيع العربي” المشؤوم، بالإضافة إلى الجهود الحثيثة للقوى الصاعدة لوقف التغوّل الأمريكي، مقابل محاولات أمريكية للحفاظ على الهيمنة والسيطرة على القرار العالمي، جعلت العالم وخاصة الدول المتأمركة، ومنها دول كبرى، تنشق عن الحليف الأكبر، أو على الأقل تخرج عن السياق الذي كان معروفاً في السابق، والمتمثّل بـ “واشنطن تأمر وتحدد الوجهة، والرعية ينساقون خلفها”، ولو على حساب مصالحهم الوطنية، والنتيجة أزمات داخلية تتنوّع بين المعيشي الذي وصل إلى حد العصيان المدني كفرنسا، وأزمة نُظمٍ كما يحدث في بريطانيا، وبدء تداعي الاتحاد الأوروبي وسقوطه مع تعالي الأصوات في ألمانيا للخروج من الاتحاد، فيما نتنياهو قلق على كيانه المصطنع جراء اشتداد عود محور المقاومة من جهة، والأزمة الداخلية التي يعاني منها، وصرفها على أرض الواقع تصعيداً غير مسبوق على الأراضي السورية من جهة ثانية.
لهذا نجد منطقتنا على الحال الذي نراه: لا حلول للأزمات، ومحاولات لإعادة الأمور إلى المربع الأول، بل العودة إلى عصر الاحتلال والانتداب.. تتصارع فرنسا وإيطاليا على ليبيا، وتحاولان رسم مستقبلها بما يتناسب ومقاس مصلحتهما عبر دعم أطراف في الداخل تختلف في الرؤى على شكل الحكم، والنتيجة اقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وتدمير للبنى، وسرقة الثروات مقابل الأسلحة التي تدخل البلاد دون حسيب أو رقيب، فيما المجتمع الدولي، ممثّلاً بالأمم المتحدة، عاجز عن اجتراع الحلول، والنتيجة لم نعد نعرف من هو الحاكم الفعلي للبلاد في ضوء حكومتين وبرلمانين وميليشيات مسلحة تختلف مسمياتها بين الوطنية والإسلاموية، وكل منهم يعتبر نفسه أنه على حق، ويمثل تطلعات الشعب، والوضع في السودان ليس بأفضل حال، وعلى ما يبدو أن الوقت قد حان لتقسيم جديد وانتظار المستقبل المجهول. في حين الأردن حائر في أي حضن سيرتمي هذه المرة بعد انتهاء دوره في استهداف سورية، وبحثه عن جهة تقدّم له الدعم اللازم في قادم الأيام، ويكفي إسقاط ما تقدّم على دول أخرى في المغرب العربي لأخذ فكرة كافية ووافية عن حقيقة ما يحدث فيها من أزمات.
هنا نسأل: ماذا لو نجح المخطط الذي رُسم لسورية في التقسيم والتفتيت ودق الأسافين في نسيجها الوطني؟ رغم ما أحدثته سنوات الحرب الثماني من قتل وتدمير وتشريد، فإن ذلك ربما لم يكن ليشكّل نقطة في بحر لو نجح محور الحرب في إسقاط الدولة السورية، وبالتالي فإن منعكسات الانتصار الوطني بكل ما في الكلمة من معنى زادت من تعمية وضبابية الطرف الآخر، حيث إن البعض بدأ بالانسحاب معتمداً على الأدوات الإرهابية للإبقاء على موطئ قدم، كما فعلت واشنطن، والفرنسي يكابر للبقاء على الأراضي السورية منفرداً دون حليف أو سند. بينما العرب، وخاصة من ساهموا بشكل رئيس في الحرب، حائرون أي طريق يسلكون للعودة إلى دمشق، منهم من سلّم بحكم الأمر الواقع ويحاول العودة بقوة، وآخرون في طريق اللحاق بالركب، وقلة من الصغار جغرافياً وسياسياً مازالت تلتزم المكابرة، وهذا أمر طبيعي في وضع يعجز فيه الغرب عن ضبط مواقفه بدقة، ورسم استراتيجيات واضحة لعلاقاته مع حلفائه من جهة، ومن جهة أخرى في مواجهة القوى الصاعدة، وخاصة تلك التي وقفت إلى جانب سورية في مواجهة الحرب، وفرضت نفسها أكثر في المشهد العالمي، وهي مصممة على ممارسة دور رئيسي في عالم متعدد الأقطاب..
حصول ذلك لم يعد بعيداً، ويمكن القول: إننا نمر في مرحلة انتظار تسليم أطراف العدوان بالهزيمة، وعندما يتمّ ذلك فإن الأزمات كما اشتعلت دون مقدّمات ستحل وفق ما أفرزته مقتضيات الميدان وتطلعات الشعوب المستهدفة، وغير ذلك لعب في الوقت بدل الضائع.
عماد سالم