لا يزال بانتظار المرونة الكفيلة بربطه بالإنتاج. متطلبـــــات المرحلــــة تقتضـــي وضـــع القطـــاع المصرفــي على السكـــة الصحيحـــة
على الرغم من مرور بضعة أشهر على الاجتماع الذي جمع رئيس مجلس الوزراء بإدارات المصارف الحكومية، إلا أننا مازلنا في حالة ترقب لولادة إجراءات وقرارات من شأنها النهوض بواقع القطاع المصرفي الذي أثقلته جملة من الممارسات، وآليات من الفساد والتراخي والترهل المالي والإداري فيه، ما نتج عنه ضعف جلي بأدائه نحاه عن دوره الأساسي في المرحلة الحالية، وما تتطلبه مرحلة إعادة الإعمار.
لعل السياسات النقدية والإجراءات المتأرجحة التي تم اتباعها خلال السنوات السابقة، هي أولى الخطوات التي حرفت القطاع عن مساره، والتي أدت بالنتيجة إلى أضرار كبيرة في القطاع المصرفي عموماً والحكومي خصوصاً، إلى جانب إشكاليات أخرى تتعلق بالقدرة الفنية والتقنية وتوافر الكوادر المؤهلة للمصارف التي قيدت نشاطه، إلى جانب العقوبات والحظر الذي عزله عن العالم الخارجي، بالتوازي مع غياب السياسات المطلوبة لمنح القروض والتسهيلات المصرفية، التي أدت إلى تراجع العمل الائتماني مقارنة بحجم السيولة المتوفرة في المصارف، وتنامي احتياجات الأنشطة الاقتصادية المحلية للتمويل، إلى جانب تطبيق استثناءات فرضتها جهات وصائية بحسب ما أشار إليها أحد المديرين في الاجتماع على عملية الإقراض لتشكل خللاً واضحاً في العمل المصرفي.
قانون خاص
لن نسهب في تشخيص الواقع المصرفي وما يعتريه من إشكاليات وممارسات، بل أردنا من خلال ما تقدمنا به التأكيد على أن الحلول المنشودة لإعادة القطاع المصرفي إلى سكته الصحيحة موجودة بالفعل وقابلة للتطبيق فيما لو أراد المعنيون، بدلاً من إطالة أمد هذا الواقع والمراوحة في المكان، لا بل يجب الإسراع في إصدار القوانين والقرارات اللازمة لتواكب تنامي متطلبات المرحلة، ويأتي في مقدمتها إصدار قانون خاص بالمصارف الحكومية لإخراج المصارف الحكومية من القانون رقم 2 لعام 2005، الذي حد من صلاحيات مجالس الإدارة، وأعاق تنفيذ سياسة الحوكمة في المصارف، إلى جانب ضرورة إخراج المصارف العامة من قانون العاملين الأساسي، وذلك بغية إعطاء مزيد من الصلاحيات لمجالس الإدارة لجهة وضع إجراءات العمل اللازمة، منها على سبيل المثال لا الحصر أنظمة التعيين، ونظام الرواتب والأجور والتعويضات، والأنظمة المالية، ونظام العمليات المصرفية، وذلك للارتقاء بأداء المصارف وكوادرها، وتحقيق سوية عادلة تستطيع من خلالها التنافس مع المصارف الخاصة.
توحيد الرقابة
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الحاجة لرفع الاعتمادات المخصصة للمصارف، وإخراجها من قانون العقود المطبق، وذلك لتحقيق المرونة المطلوبة لتأمين مستلزمات عملها سواء من الجانب التقني كالحواسيب وآلات عد النقود، ولاسيما في ظل وجود اهتلاك كبير في مستلزماتها وما طالها من ارتفاع الأسعار جعل عملية توفيرها تقف حجر عثرة أمام تطور المصارف، دون إغفال أهمية إخضاعها لجهة رقابية مصرفية واحدة، وهي المصرف المركزي، بالتوازي مع تطوير البنية التقنية ما بين المصارف والمصرف المركزي الكفيلة بتسريع وتيرة العمل المصرفي.
دعم مطلوب
يضاف إلى ما سبق ضرورة العمل باتجاه تفعيل الدور الاقتصادي والاجتماعي للمصارف بما ينسجم مع قدرة المصارف التمويلية، مع ملاحظة أن منح أية قروض بفوائد منخفضة لا يمكن أن تتحمله المصارف العامة بالكامل، فالأموال الموجودة في البنوك هي أموال مودعين، ولها تكاليف مالية “الفائدة”، إلى جانب النفقات الإدارية والاستثمارية المتعلقة بمستلزمات العمل المصرفي، وفي حال ظهرت الحاجة لتمويل قطاعات معينة بفوائد منخفضة لدعمها كونها تشكل أولوية فإن هذه العملية تتطلب دعماً حكومياً يغطي الفرق للفائدة المطلوبة.
خارطة طريق
ولعل تطوير أنظمة العمليات المصرفية لدى كل مصرف وفقاً للمعايير والضوابط العالمية، ووضع أدلة عمل واضحة وشفافة ومنسجمة مع قواعد العمل المصرفي العالمي، هي خطوة هامة في رسم خارطة الطريق للمصارف الحكومية، إلى جانب تطبيق قواعد حوكمة تنسجم مع الدور المفترض أن تؤديه هذه المصارف، وما يتطلبه ذلك من نظم رقابية، ودور فاعل لمجالس الإدارة. إلى جانب اعتماد مركزية العمل مع مصرف سورية المركزي في تصنيف العملاء، ودراسة ملفاتهم التي قد تستغرق عدة شهور مما يبطئ ويؤخر عملية الإقراض، بالإضافة إلى ضرورة تسريع الإجراءات القانونية والقضائية للمصارف بحيث تسهم في حلحلة الإجراءات العالقة.
إعادة صياغة
أما على صعيد التسهيلات والقروض فيجب دراسة الضوابط التسليفية وإعادة صياغتها وفق معايير الدقة والشفافية، وسبق أن طالب بها المصرف التجاري، بالإضافة إلى تقديم منتجات مصرفية جديدة كقرض المهن والودائع بإخطار سابق، وتقديم تسهيلات لدعم المشاريع الإنتاجية، ومنتجات تواكب متطلبات المقترضين وتلبي حاجاتهم، مع الإشارة هنا إلى ضرورة إعادة دراسة الكفالات المصرفية وتنشيطها في المصارف لما لها من دور هام في تمويل و إتمام المشاريع الاستثمارية الكبيرة.
فاتن شنان