تحقيقاتصحيفة البعث

أيام الامتحانات استنفار عائلي وبرامج دراسية مكثفة وانتقاد طلابي للأساليب الامتحانية

لم يشفع الجو المريح نسبياً في قاعة الامتحانات، والهدوء الذي ساد خلال الساعتين المحددتين كمدة للاختبار، لإياد، طالب الرياضيات المستجد، في غياب مظاهر الخوف والتوتر عليه، فالفتى، بخلاف أيامه الاعتيادية، بدا في القاعة وحتى قبيل الامتحان أكثر شحوباً من المعتاد، ضربات قلبه الشديدة، وأصابعه المرتجفة كانت تشير وكأن شيئاً ما قد أصابه، ومع أن إياد راكم الكثير من المعلومات، واستوعب معظم المقررات المطلوبة من طلاب السنة الدراسية الأولى خلال فصل دراسي كامل، لكن كل ما حفظه تبخّر في لحظات، وتحول إلى خوارزميات معقدة وصعبة الاستعادة على ورقة الإجابة، والملفت أن حالة الخوف والتوتر التي حدثت مع الشاب الجامعي المستجد لم تكن المرة الأولى، فالخوف لديه حالة متكررة منذ أن كان صغيراً، وتسببت مراراً في ضياع الفرصة عليه، إذ أخفق بتحصيل الشهادة الثانوية منذ المرة الأولى، وحتى عند تقديم الثانوية مجدداً لم يحصل على العلامات التي توازي جهده وتعبه كما يقول نتيجة خوفه من الامتحان، تلك العقدة التي يشكو منها الطلاب، ويتهيّب من مجابهتها معظمهم، خاصة أنها تقييم ضروري للمجهود الذي يحكم على الطلاب، ويحدد اجتيازهم لسنوات الدراسة الواحدة تلو الأخرى.

أجواء خاصة

يبدو أن أجواء خاصة بات متعارفاً عليها في معظم الأسر التي يتقدم أبناؤها للامتحانات كل عام، فتحكم حالة طوارئ عائلية المنزل في تلك الأوقات، ويقل الخروج من المنزل بالنسبة للطالب، ويسود جو من الرهبة يتحول في كثير من الأحيان لنوع من العذاب يسبق الامتحان بكثير، وهو ما يعبّر عنه وائل، أحد الطلاب الجامعيين، بالقول: في كثير من الأحيان يصبح الوقت الذي يسبق الامتحان عقوبة حقيقية يتمنى تجاوزها بأن يتقدم للامتحان أياً تكن النتيجة من مبدأ “وقوع البلاء ولا انتظاره”، في المقابل يتحدث طلاب آخرون عن أجواء الامتحان بأنها تكون سلبية في الكثير من الأحيان وغير مشجعة لهم، خاصة عندما يقوم بعض المراقبين بالصراخ في قاعات الامتحان بكثرة، وتذكيرهم كل مدة بسيطة بالوقت وسرعة انقضائه، ويتحدث البعض عن نوعية الأسئلة التي تطرح في الكثير من المقررات الجامعية، وأنها تكون خاضعة لطريقة تفكير الأساتذة، والمزاجية لديهم دون قواعد معينة، أو أن تكون معياراً حقيقياً لتقييم جهد الطلاب، فتصبح وحشاً مرعباً بالنسبة لهم، وآلية ليست بالمناسبة لتقييم جهد الطلاب عبر فصل دراسي كامل.

 

ليس تقييماً

الملفت أن الكثير من الطلاب الذين تحدثنا إليهم يعتبرون أن الامتحان الجامعي اليوم لا يمكن النظر إليه كوسيلة تقييم وحيدة للطلاب، فهناك طلاب كثر يستوعبون المواد، ولكنهم يفشلون في التقدم إلى امتحاناتها نتيجة اعتبارات مختلفة، منها الخوف والرهبة، وأحياناً طريقة الأسئلة، ومع أن الأمر يكون أكثر سهولة في كليات عملية يقوم الطلاب فيها بجزء من الامتحان بالجانب العملي، لكن كليات أخرى مازالت تعتمد النظرة التقليدية والكلاسيكية للامتحان، تقول علياء، طالبة كلية العلوم: الامتحان لديهم يشبه ما عرفه الطلاب في المرحلة الثانوية، معلومات نظرية في الكثير من المقررات، وأضافت: يجب أن يتم تعديل الطريقة التي يتعلّم بها طلابنا، ويجب الابتعاد عن التلقين والحفظ، وكذلك يجب النظر أيضاً في المعلومات القديمة الموجودة في بعض المقررات، والحشو غير المبرر، في حين يرى طلاب آخرون بأنه يجب تدريب الطالب الجامعي على الجانب العملي، وتشجيعه على قراءة كتب خارجية يرفد معلوماته بها قبل تعديل الطريقة التي يمتحن بها، فالامتحان هو نتيجة ومحصلة لأسلوب تعليمي وليس العكس، والرهبة منه هي بالتأكيد تراكم لكل هذه الأمور مجتمعة.

حالة انفعالية

يؤكد الدكتور كنان الشيخ، الباحث في مجال علم النفس الاجتماعي، أن قلق الامتحانات هو حالة نفسية انفعالية شائعة عند معظم الطلاب تؤثر على اتزانهم النفسي، وقدرتهم على استدعاء المادة الدراسية، وتذكرها أثناء الامتحانات، تصاحبها أعراض نفسية كالعصبية، وسرعة الغضب، وعدم الراحة، وسرعة الانفعال، واضطرابات النوم، وذهنية كضعف التركيز، وضعف القدرة على الاستيعاب، وسرعة النسيان، والنظرة السلبية للذات، والشعور باليأس، وجسدية كالشعور بالصداع، والدوخة، والغشاوة في النظر، أو الرعشة في اليدين مع تعرق، والشعور بالبرودة أو الحرارة في الأطراف، ومرات كثيرة سرعة التنفس، والإحساس بالاختناق، ويتحدث الشيخ عن ظهور أعراض على الطلاب الذي يشعرون برهبة الامتحانات كالتهرب من الدرس، والخوف من المواجهة ودخول الامتحانات، والرغبة في تأجيلها، ومحاولة الانشغال بأشياء أخرى في فترة الامتحان مثل: (مشاهدة التلفزيون، قراءة القصص والمجلات، الخروج مع الأصدقاء).

أدوار مهمة

ويرى الباحث الاجتماعي الشيخ أن الأسر والمحيط الاجتماعي المرتبط بأي طالب يلعبان دوراً هاماً في تقليل رهبة الطلاب وخوفهم، وينصح الأسر ببعض التوجيهات، أهمها احترام قدرات الطالب كما هي، وعدم المبالغة بالتوقعات والنتائج المطلوبة منه، وتوفير جو عائلي تسوده المودة، والهدوء، والتنشئة الاجتماعية التي تبني الثقة بين أفراد الأسرة، وكذلك الثقة بالنفس، وتوجيه الطالب نحو نظام غذائي صحي، مع محاولة الدراسة في مكان هادىء ومريح للبصر بعيداً عن أماكن النوم، وعدم السهر الطويل، والحصول على ساعات نوم كافية، إضافة لعدم حرمان الطالب نهائياً من الترفيه في أوقات الامتحانات، وتخصيص بعض الوقت لذلك خلال فترة الدراسة، ويضيف الشيخ: يمثّل المعلمون أحياناً مصدراً لإثارة قلق الامتحانات لدى الطالب عند تهويل قيمة الامتحان، واعتباره مرحلة مصيرية في حياته، أو تحدي الطلاب عن طريق وضع أسئلة صعبة ومعقدة، وتهديد البعض بالترسيب، وكذلك خلق جو عام مخيف عند الامتحان، لذا يجب توجيه الطلاب نحو العادات الدراسية السليمة، وتقسيم المادة وفق برنامج زمني معين، والعمل على رفع ثقة الطالب بذاته، وتشجيعه، وتوجيهه نحو التخصصات العلمية التي يرغب بها، والتي تتناسب مع ميوله وقدراته، ومن المهم جداً أيضاً تدريب الطالب على أداء بعض الامتحانات التجريبية لكسر الحاجز النفسي بينه وبينها، وخلق بيئة آمنة غير مهددة من قبل المعلمين أثناء تأدية الامتحان، وكذلك زرع التفكير الإيجابي عند الامتحان في نفس الطالب، ومساعدته على التخلص من الأفكار السلبية عن الامتحانات.

محمد محمود