البوليفارية في مواجهة الكاوبوي
تستكمل الولايات المتحدة الأمريكية حربها على الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية، فبعد المد اليساري الاشتراكي منذ وصول حكومات رافضة للهيمنة الأمريكية على القارة اللاتينية، أو ما كان يعرف بالحديقة الخلفية لواشنطن، بدأت الأخيرة حرباً غير مسبوقة على القوى التحررية، من البرازيل إلى الأرجنتين، مروراً بالبيرو والبارغواي والأوروغواي، حتى وصلنا اليوم إلى النقطة التي انطلق منها المد البوليفاري، وهي فنزويلا..
حرب لم تخف الولايات المتحدة يوماً أنها خلفها، بل على العكس أعلنت بكل وضوح أنها تريد إسقاط حكم البوليفاريين، واستعادة الدولة التي كانت لفترات طويلة تحت سلطتها وهيمنتها، فحاصرتها اقتصادياً ومالياً وسياسياً، وحرّضت بشكل فاضح الجيش والحرس الوطني على القيام بانقلاب ضد الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، وما حصل بداية الأسبوع في إحدى ثكنات الحرس الوطني مثال على ذلك، ليكون آخر فصول هذا التآمر الاعتراف بزعيم المعارضة رئيساً مؤقتاً للبلاد، ضاربة بذلك عرض الحائط بكل القوانين والمواثيق الدولية التي ترفض التدخّل في شؤون الدول الأخرى.
اعتراف لاشك له تبعات خطيرة على دولة حرة ومستقلة وذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، في ظل تصريحات أمريكية من أعلى المستويات بالتهديد بتدخل عسكري لحماية المنقلبين على الحكومة الشرعية في فنزويلا، ما يعني أن واشنطن تهدد بإشعال حرب أهلية بعد ما استنفدت كل مقدراته وإمكاناته، ولكن هل تنجح أمريكا في مسعاها؟.
ما هو واضح لغاية اليوم أن القيادة الفنزويلية استطاعت امتصاص الصدمة، وأكدت على تماسكها في وجه الضغوط الأمريكية والدول المنضوية في فلكها، فبيان الجيش بالوقوف إلى جانب الحكومة والرئيس المنتخب قطع الطريق مبدئياً على أحداث عنف ربما كانت قد تحصل، كما أن نزول الشعب الفنزويلي بشكل كبير وغير مسبوق إلى الشوارع لتأييد مادورو فوّت على المناوئين الاستفادة من ورقة الشارع، وجاء الرفض الدولي للخطوة الأمريكية في دعم الخارجين على الشرعية في كراكاس واسعاً وربما حاسماً، مع تحذير موسكو واشنطن من أي مغامرة عسكرية، معلنة استعدادها لحماية فنزويلا.
وعليه فإن الأوضاع في فنزويلا تعيد العلاقات الدولية بأكملها إلى الحلقة الأولى، وتؤكّد أن واشنطن على الرغم من كل الأحداث والوقائع المتتالية في سورية والعراق ولبنان وأفغانستان واليمن تصر على تعميم منطق الفوضى الخلّاقة، وترفض بشكل قاطع الاعتراف بأن عصر الأحادية القطبية الذي كانت تتسيد فيه العالم قد انكسر مع بزوغ قوى وتكتلات عالمية كبرى ترفض منطق الكاوبوي الأمريكي، وهذا الأخير كان مسؤولاً عن إبادة عشرات الملايين من سكان القارة الأمريكية الأصليين، ولا يريد لأصحاب هذه الأعراق أن ينهضوا مجدداً، ويستعيدوا بلادهم المغتصبة تحت أي عنوان.
بالتالي فإن فنزويلا اليوم تدافع عن القارة بأكملها وعن حريتها وسيادتها، وكما انتصرت كاركاس لبوليفاريتها واشتراكيتها التي خطها الراحل هوغو تشافيز، ستنتصر غداً لسيادتها في مواجهة الغطرسة الأمريكية.
سنان حسن