الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

إبراهيم الحميد.. الأسطورة على ضفة النهر

 

افتتح مساء أمس في صالة فاتح المدرس معرض الفنان إبراهيم الحميد وضم عددا من أعماله الجديدة التي أنجزها بين دمشق وبيروت حيث إقامته، ويأتي هذا المعرض كواحد من جملة المعارض النوعية التي تشهدها دمشق منذ بداية هذا العام وهذه مؤشر على بداية حراك تشكيلي سوري نوعي نأمل أن يحمل الكثير من علامات التجاوز لما سبق من منتج.

يشرق الفنان في كل لوحة يؤلفها وتنبت من بيئته العميقة رموزا جديدة لكنها لا تغادر تلك الذاكرة ولا ذاك الإرث والمكان البكر الذي خطت قدم الطفل العارية ترابه، ولعبت بطمي النهر الفواح برطوبة النباتات والحكاية، من تلك الذاكرة يستحضر إبراهيم الحميد عرائس النهر، ومن تلك المسافة التي تفصل البيت عن الماء حيث دروب الناس نحو الحياة والمستقبل وما ضاع من خرافات نسجتها النساء في الليل حول النهر الذي شهدت ضفتيه بداية الكتابة والرسم والتعبير بالطين، وصلوات الرجاء والرهبة من الطوفان وظلمة العجاج والخوف من المتوقع ومما يحمله الغرباء والغزاة لأهل المكان، إلى هناك ينتمي وينظر في غيابه أمام لوحته البيضاء حيث لا بد من امرأة تتوسد عتبة البيت تتمتم تعويذة الشمس والضوء وعيناها المفتوحتين ترقبان أطفالها خشية الغرق في الرمل والماء سواء، هناك تتوهج لغة البصر لتتسع الصحراء.

الرسم لغة الفنان، وكلما كانت اللوحة كاملة في عبارتها كلما تفتحت الأسئلة عن فحوى هذه اللغة وعن المعنى الذي يتردد بين اليقين والشك، هنا ساحة الفنان وميدان أدواته، حيث لا مكان للوصف بل التأليف من روح خاصة تنتمي إلى مراسها وخبرة مشاعرها، وحسبي أن إبراهيم الحميد هو مؤلف للحكاية أكثر مما هو رسام الحكايات المألوفة، إنه ذلك الشغف بالتوقعات التي يحدثها تأثير الصباغ مع جواره وحواس السطح الخشن بفعل سكينة الرسم وما تفعله من خطوط حادة وفاصلة بين قيمة وأخرى، كما أنه المترقب والمثابر على قيمة التقنية في اللوحة كمرادف للمعنى ومناخ تجلي العاطفة.

ربما يحتاج الفنان لبعض من الاستعراض على سطح اللوحة بغية تقريبها من المتلقي الساذج، إلا أن الحميد لا يذهب إلى ذلك لأن شخصيته الفنية تربّت ونضجت في نفس المرسم الذي يعرض لوحاته الآن فيه، ألا وهي تعاليم الفنان المعلم فاتح المدرس البليغة والتي قلما ينجو فنان منها، وخاصة أولئك الذين تتلمذوا على يده أو لازموه لسنوات، والفنان الحميد أحد أولئك الذين لم يستطيعوا الإفلات من سطوة فن ذلك المعلم وشخصيته.

أكسم طلاع