مادورو يدعو العسكريين إلى البقاء ثابتين في محاربة الانقلاب
لا يزال الانقلاب الفاشل، الذي حاولت واشنطن فرضه على الشعب الفنزويلي، يلقى ردود فعل دولية مندّدة بسياسات واشنطن الإقصائية، حيث اتسعت دائرة الرفض لهذه السياسة المتغطرسة الرامية إلى القفز فوق القوانين والأعراف الدولية خدمة للرغبة الأمريكية في الهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب، بينما بادر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات للحفاظ على وحدة الشعب الفنزويلي، فقد دعا عسكريي بلاده إلى البقاء ثابتين في محاربة الانقلاب، إضافة إلى التحلي بأقصى درجات الوحدة والتعاون.
موقف مادورو جاء قبيل بدء تدريبات عسكرية شمال البلاد, حيث أكد استعداد بلاده لأهم التدريبات العسكرية لمئتي عام من التاريخ, مشيراً إلى أن فنزويلا تريد السلام وبحاجة إليه.
وظهر مادورو على التلفزيون وهو يستعدّ لقيادة مناورات في قاعدة فورت باراماكاي في شمالي البلاد، وأظهرت الصور دبابات مصطفّة وجنوداً يطلقون العيارات النارية، معلنين ولاءهم للثورة البوليفارية ورفضهم قانون العفو الذي أَعلنه رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو بهدف إقناعهم بالالتحاق به.
وخطب الرئيس الشرعي مادورو أمام العسكريين قبل بدء التدريبات، وقال: “كونوا ثابتين في محاربة الانقلاب، أقول ذلك لكلّ القوات المسلحة البوليفارية: وحدة قصوى، انضباط أقصى، تعاون أقصى”.
وقبيل ذلك، رفض الرئيس الاشتراكي مهلة الدول الأوروبية له ثمانية أيام يتعيّن عليه خلالها الدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة، وفي حال رفضه القيام بذلك فإن هذه الدول ستعلن اعترافها رسمياً بالمعارض غوايدو رئيساً للبلاد، وأكد مادورو بهذا الصدد: “ليس من حق أحد أن يعطينا مهلاً.. وفنزويلا ليست مرتبطة بأوروبا”.
من جهتها، أكدت عضو الحزب الاشتراكي الموحّد الحاكم في فنزويلا إيزابيل فرنجية أن ما قام به زعيم المعارضة اليمينية خوان غوايدو وجماعته هو “انقلاب على الدستور” و”خيانة عظمى” وهما جريمتان تستدعيان توقيفهم ومحاكمتهم، وأشارت إلى أن التريث في تطبيق الإجراءات القضائية بحقهم يستهدف إنجاح مبادرة الرئيس نيكولاس مادورو للحوار الوطني، قائلة: “إذا أردنا التحدّث في الإطار القانوني الجزائي يمكن القول: إن غوايدو شخص انقلابي فقد انقلب على الدستور وتعامل مع الولايات المتحدة طالباً منها التدخل في الأمور السيادية للوطن وهذه تعدّ خيانة عظمى لفنزويلا”، ولفتت إلى أن هذه الجرائم الموصوفة في القانون استدعت موقفاً من المحكمة الدستورية العليا بإصدار قرار بإلغاء صلاحية غوايدو كرئيس للبرلمان وإدارته وهو ما يستتبع تحرّك النيابة العامة لتوقيفه، وأضافت: “إن النيابة العامة الفنزويلية كانت بصدد إصدار مذكرة التوقيف ولكن لأن الرئيس مادورو أعطى فرصة للجلوس إلى طاولة الحوار فربما ذلك يتطلب التريث”، مضيفة: “نعلم أن الرئيس مادورو نقابي ولديه طريقة مختلفة في التعاطي مع الأمور الداخلية مقارنة بأي سياسي عادي أو سياسي ذي خلفية عسكرية”.
وأوضحت فرنجية أنه حتى الآن أفضت الجولة الدبلوماسية إلى إحباط الاعتراف بالانقلاب دولياً ويبقى لدينا موقف الاتحاد الأوروبي الذي فرض مهلة زمنية لإجراء الانتخابات وبعدها ستكون الأمور أكثر وضوحاً، فإما الحوار الوطني وإما العمل القضائي الضروري لمحاكمة من قاموا بهذه المحاولة الانقلابية، لافتة إلى التناقض في مواقف الولايات المتحدة إزاء ما يجري في فنزويلا.
وفي المواقف الدولية, بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هاتفياً أمس، الوضع في فنزويلا مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وفق ما أفادت به وزارة الخارجية الروسية، والتي أضافت: إن الطرفين أكدا استعدادهما للإسهام في إيجاد تفاهم بين القوى المسؤولة في فنزويلا “من أجل ضمان السلام الداخلي ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في أسرع وقت”.
من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: إن تسوية الوضع في فنزويلا يجب أن تتمّ من الفنزويليين أنفسهم في إطار الدستور، مؤكداً أنه لم يجرِ بحث تقديم دعم مالي أو عسكري لفنزويلا، مضيفاً: “الشيء الوحيد الذي يمكننا جميعاً أن نساعد به هو عدم التدخل في الأوضاع، على عكس ما تفعل بعض الأطراف”.
بالتوازي، أكد المقرر الخاص السابق لدى الأمم المتحدة ألفريد دي زياس أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على فنزويلا غير قانونية ويمكن أن ترتقي إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، وانتقد شن إدارة الولايات المتحدة حرباً اقتصادية ضد فنزويلا تسبّبت في كارثة اقتصادية في البلاد وجاءت عواقبها السلبية بالشكل الأكبر على أفقر الناس في المجتمع الفنزويلي، وقال: إن “العقوبات الاقتصادية الحديثة والحصار الذي تمثله يشبه حصار المدن في العصور الوسطى”.
وكان دي زياس زار فنزويلا نهاية عام 2017 ليكون أول ممثل للأمم المتحدة يزورها خلال 21 سنة، وأوصى المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في العقوبات الاقتصادية المفروضة على فنزويلا على أساس أنها جرائم محتملة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي.
وتتعرّض فنزويلا التي تتبع النهج التحرري في أمريكا اللاتينية لمحاولات التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية عبر معارضتها اليمينية في محاولة مستميتة من واشنطن لإحياء مخططاتها للهيمنة على هذا البلد، الذي يمتلك ثروات نفطية هائلة، والانقلاب على الرئيس الشرعي مادورو باستخدام جميع الوسائل بما فيها العنف والفوضى.
وفضح دي زياس الطريقة التي تملي بها واشنطن إرادتها وشروطها على المنظمات الدولية، مبيناً أنه بعد رحلته إلى فنزويلا قدّم تقريراً مفصلاً عن أبحاثه حول أسباب الأزمة الاقتصادية إلى الأمم المتحدة إلا أن مسؤولي المنظمة الدولية تجاهلوا تقريره نظراً لأن النتائج الموضوعية التي توصل إليها تتعارض مع الموقف الأميركي الحالي الساعي لتغيير النظام في فنزويلا، بل إن المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رفض الاجتماع معه على الإطلاق، ورأى أن الأمم المتحدة مهتمة فقط بتلك التقارير التي تنتقد النظام الفنزويلي وتدعو إلى الانقلاب عليه بمساعٍ من واشنطن التي تجبر الدول في الأمم المتحدة على التصويت وفقاً لمصالحها وسياساتها وتهدّد بفرض عقوبات عليها في حال عدم التجاوب مع مطالبها.
وفي لبنان، أدان اللقاء الإسلامي الوطني التدخل الأمريكي السافر في شؤون فنزويلا الداخلية، وجاء في بيان اللقاء بعد اجتماع برئاسة منسقه الشيخ ماهر عبد الرزاق: “إن التدخل الواضح والمكشوف للولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لفنزويلا يهدف إلى بث الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد”، فيما قال حزب الاتحاد اللبناني في بيان: “إن النزعة الفوقية التي تتعامل بها الإدارة الأمريكية مع دول العالم تستمر وتتمادى وخصوصاً في ظل رئيس لا يقيم وزناً لإرادة الشعوب”، مشيراً إلى أن التدخل الأمريكي ضد فنزويلا يشكل انتهاكاً فاضحاً لكل الأعراف والقوانين الدولية ومبادئ احترام سيادة الدول وإرادة الشعوب.
كذلك استنكر اللقاء الإسلامي الوحدوي في لبنان الهجمة الأمريكية الامبريالية ضد فنزويلا ورئيسها الشرعي مادورو المنتخب من الشعب، مشيراً في بيان له إلى الأطماع الأمريكية في الثروات النفطية لفنزويلا، فيما استنكرت قيادات وممثلو الفصائل والقوى والهيئات الفلسطينية التدخل الأمريكي السافر في الشؤون الداخلية لفنزويلا والحملة الغربية ضد الرئيس الشرعي مادورو، وقالت: “إن هذه التدخلات والسياسات للإدارة الأمريكية تعبّر عن شكل من أشكال القرصنة والاستعمار الجديد الذي يسعى للهيمنة على العالم ونشر الفوضى والتآمر على الدول الوطنية التي لا تسير في فلك الولايات المتحدة”، معلنة في هذا الإطار تضامنها ووقوفها والشعب الفلسطيني إلى جانب الشعب الفنزويلي في ظل قيادة الرئيس مادورو.
وفي السياق، تضامن عدد من الإعلاميين اللبنانيين مع فنزويلا، وزاروا مقر السفارة الفنزويلية في لبنان، وأثنى السفير الفنزويلي لدى لبنان خيسوس غريغور غونزاليس على التضامن الإعلامي اللبناني والعربي مع فنزويلا، معتبراً أنه “تضامن مع الشعب الفنزويلي”، وقال: إن “الولايات المتحدة لا تدافع عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في أي مكان من العالم”، معتبراً أن “أميركا تريد الاستفادة فقط من هذه الشعوب”، وتابع: “قد يكون أمامنا سنوات من النضال والكفاح، لكننا واثقون من أن النصر سيكون حليفنا”.