أوروبا تتفكك أمام أعيننا!
ترجمة: سلام بدور
عن الغارديان ٢٥/١/٢٠١٩
بحسب مفكرين من ٢١ دولة فإن القيم الليبرالية في أوروبا تواجه تحدياً لم نشهده منذ ثلاثينيات القرن الماضي، بينما تتجه المملكة المتحدة نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي، في وقت يتطلّع فيه القوميون إلى تحقيق مكاسب هائلة في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، حيث قامت مجموعة مؤلفة من ٣٠ كاتباً ومؤرخاً وحائزين على جائزة نوبل بإصدار وثيقة تمّ نشرها في صحف عدة، بما في ذلك الغارديان جاء فيها: “يجب علينا أن نفعل شيئاً لأوروبا وإلا سوف تدمّر تحت موجات الشعوبية، ويجب علينا أيضاً إعادة اكتشاف التطوع السياسي أو قبول هذا الاستياء والكراهية وتكديسهما مع المشاعر الحزينة التي تحيط بنا وتغرقنا”.
كذلك عبّروا عن أسفهم لكون أوروبا تمّ التخلي عنها، في إشارة إلى عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي جعلت العلاقات الأنغلو-أوربية في أدنى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية، مضيفين أنه ما لم تُبذل الجهود الكافية لمكافحة التيار المتصاعد من الشعوبية، فإن انتخابات الاتحاد الأوروبي ستكون من أكثر الكوارث التي عرفناها على الإطلاق، ووصمة عار لأولئك الذين ما زالوا يؤمنون بإرث “إراسموس ودانتي وغوته وكومينوس” وازدراء للذكاء والثقافة. أوروبا الآن في خطر أكبر من أي وقت مضى خلال السبعين سنة الماضية، وقد حان الوقت ليكون لدى البرلمان في المملكة المتحدة الشجاعة الكافية للدعوة إلى إجراء استفتاء ثانٍ، الشيء الذي يمكنه إنقاذ البلاد من كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويقطع شوطاً طويلاً نحو إنقاذ الاتحاد الأوروبي أيضاً.
قد تتبدّل روح العصر، لكن سيكون من الصعب الدفاع عن الحرية وحقوق المرأة والديمقراطية والمساواة وغيرها من القضايا على جانبي العالم، ولهذا فإن النجاح التاريخي لأوروبا قد ساهم في جعل الدفاع عن هذه الأفكار والقيم التي تعتبر حيوية للإنسانية في جميع أنحاء العالم أكثر سهولة، لأن أوروبا ليست جغرافيا فحسب وإنما مجموعة من هذه الأفكار والقيم، ولذلك فإن أوروبا كفكرة تتعرّض للهجوم.
ففي انتخابات الاتحاد الأوروبي، وهي الانتخابات الأولى التي لن تشمل بريطانيا، يتوقع معظم المراقبين زيادة الدعم للأحزاب الشعوبية أو القومية أو المناهضة للهجرة، حيث حقّقت العديد منها مكاسب كبيرة في الانتخابات الوطنية مثل يمين الوسط ويسار الوسط والتي سيطرت تقليدياً على تراجع السياسة الأوروبية في فترة ما بعد الحرب.
بالمقابل قال رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان إن الانتخابات فرصة لتوديع الديمقراطية الليبرالية، على عكس المشكّكين بفكرة أوروبا في المملكة المتحدة فإن معظم نظرائهم الأوروبيين لا يريدون مغادرة الاتحاد وإنما الاستيلاء عليه!.
من ناحية أخرى يقود الاتهام ضد الشعوبيين اليمينيين الناشئين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اللذان وعلى الرغم من مشكلاتهما الداخلية التي أضعفتهما إلا أنهما جدّدا هذا الأسبوع تعهدات بلديهما بصداقة ما بعد الحرب، مشيرين إلى أن دروس الماضي الدموي قد تمّ تداركها.
كما يعتقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي في بروكسل بأنه من الممكن أن يكون هناك تقدم حاسم للشعبويين ومكاسب للأحزاب الموالية لأوروبا، أو على الأقل مزيج مربك من كلاهما، تاركين الشعبويين أقوى بكثير، إلا أنهم مازالوا يواجهون أغلبية قوية من أعضاء البرلمان الأوروبي الموالين لأوروبا، حيث من المرجح أن تكون النتيجة النهائية للبرلمان أكثر تعقيداً، وبناء ائتلاف دقيق وبرلمان أوروبي غير قادر على تمرير التشريعات للتعامل مع التحديات الرئيسية مثل الهجرة وإصلاح منطقة اليورو.
وفي حين أنهم لم يتخذوا أي دعوات عملية إلى العمل، قال الموقعون على البيان إنهم يرفضون الاستسلام لهذه الكارثة التي تلوح في الأفق، حيث أحصوا أنفسهم بين الوطنيين الأوروبيين الذين يدركون بأنه بعد ثلاثة أرباع القرن من هزيمة الفاشية وبعد ٣٠ عاماً من سقوط جدار برلين هناك معركة جديدة من أجل الحضارة تجري الآن.