طوبى لمن قالوا: لا؟
د. نهلة عيسى
رعد, برق, أمطار في الخارج, وقلبي يقاوم البرد بالبرود, فقد بات في الحرب أشبه بساعة رملية, يتكدس الوجع في أعماقه رزمة فوق رزمة, والقرارات بحقنا تتوالى, والحرب علينا أصبحت حربين, والنزهة على خط استواء الموت أصبحت في بلادنا عادة, لكن قلبي يجيد بحق لعبة الانتظار, ربما لأن للوجع طعم الملح أحياناً, وربما أحياناً.. طعم الأمل!.
قانون “قيصر”, وإذا أحببتم تدليعه “سيزر”, ورقة توت سقطت عن عورة الحرب, تتدحرج, ونحن نتفرج, ونستدير في فراش النوم ونحكم الغطاء, ونترك الوطن ليقف في العراء في هبات الرياح الباردة أمام الكلاب العاوية (قصف إسرائيلي في المساء) و(الكونغرس الأمريكي يوالي), ثم نطالبه بأن يمنحنا دفء العيش, وخيول الخيلاء, ونصرخ من تحت الأغطية: لماذا الفجر إلى اللحظة لم يأت!؟
قانون “قيصر” بحلته الجديدة عود غير أحمد لتجريب المجرب, أي فتح جراحنا قطبة.. قطبة, على ذات الإيقاع الدموي الرتيب للدول التي تبحث عن خطوط موضة جديدة لشتاء وربيع وصيف وخريف 2019 لقتلنا, وهي تعلن، قبل أن تبدأ, أنها لن تقبل كل الأفعال الناقصة, وأحرف التسويف والعلة والمشبهة بالفعل, وأدوات الجزم اللازمة وغير اللازمة التي يمكن أن تميع حصارنا, وأن تؤجل موتنا, أو تسمح ولو من بعيد أن نخرج من ماسورة المدفع التي نتمدد فيها منذ ثماني سنوات, مما يعني أن قادم أيامنا كابوس سادي معقد, تختلط فيه الحروب, عظيمها وحقيرها, فلا ندري أي حرب نخوض, حرب لأجل الوطن, أو على الوطن, أو ضد الوطن!؟ ذلك أن اختلاط الحروب, وربط أفواه البنادق بجرار الغاز وحليب الأطفال, حصار يفوق حصار تجار تلزيم وتصنيع الثورات, ووسائل الإعلام المسيلة للدم, وفنيو القتل العاملين على كافة الموجات, ووسائل التواصل الاجتماعي العقائدية التي ترمي الذهب للدواب علفاً, وتنفض عن سقيفة بني ساعدة ونصوص القرون الوسطى التي تبيع الجنة محاصصة.. الغبار, وتبيعها حصرياً للجهال, وكلنا للأسف جهال!!
هذا حصار, ما بعده حصار, لأن فشل إدارة الشأن العام (كما هو متوقع) سوف يكسر ظهرنا, نحن الحمقى حاملي بيارق الحلم, وسوف يعيد صياغة تسمية الأعوام القادمة, من إعادة الإعمار إلى استمرار الاتجار في استجرار خيباتنا والتباكي على حالنا, والاستثمار في الشيكات مسبوقة الدفع والمقابر الجماعية وركام المدن ومخيمات اللاجئين, بدلاً من المساكن الجميلة الجديدة, وحدائق الأطفال, والفراشات, والمسارح, والمدارس, والمستقبل!؟.
هذا حصار الهروب منه يستلزم الخروج من السكتة الفكرية والقنص النفسي والحواجز الكلامية المسلحة بالاجترار الفاشي, الذي يساوي القرش بالألف, كما يستلزم رفض العناق التوفيقي التلفيقي بين العصور الحجرية وعصور تحويل المريخ إلى محمية بشرية, مع رفض الرأي الواحد, والزي العقائدي الواحد, والصف الوطني الواحد, على قاعدة الثوابت والمحرمات الوطنية, وحدة الأرض والشعب والمصير, واستقلالية القرار، إذ ما المانع, ما دام الكل يزعم حب الوطن والقدرة على إقالته من عثراته, أن يكون لدينا عشرات الأحزاب والتجمعات السياسية والعقائدية على اختلاف بناها الفكرية, سواء كانت قومية أو ليبرالية أو أممية, مادامت سيكون حراكها في العلن, والعلن نور, والنور مقتل المعقدين والمقعدين فكرياً, والعاجزين عن تحويل طموح شعوبهم إلى غد لا يكون فيه الفرح مؤجلاً, والعمر رهن الإقامة الجبرية, وتجربة النهضة في تونس, والعدالة والمساواة في مصر, دليل ساطع على أن العتمة تجعل الغث سميناً والفاتر حاراً, والنور يفضح العرج العقائدي والكساح الوطني, والشعارات التي تتلطى في دثار الأنبياء, وتفعل فعل السفهاء!؟
ما المانع, بل أتمنى أن أرى هؤلاء في مواقع اتخاذ القرار, تراهم سيقبلون بأن يسلموا الوطن من أجل جرة غاز, وهل سيراقبون بصمت “ديمقراطي” أمريكا وهي تخرج من باب تقسيم الأرض لتدخل من شباك التجويع, وإسرائيل تقصف الوطن, أم أنهم (كما يفترض بأي دولة وطنية) سيتخذون قرار مواصلة الحرب ضدهم, وضد أخطائنا؟ هذه أسئلة للمسارعين إلى تفخيخ الداخل بحجة عجز الحكومة, وهي حتى الآن عاجزة, فما المانع أن ندل بهدوء وتعقل وتبصر على الطريق إلى النور, كي لا نصل وضعية الركوع أمام الحالمين بالكراسي على أجسامنا المقددة بالقهر, فهل من إجابات؟.