في حوار حول تجربتها في الدراما.. هديل إسماعيل: أفكاري كالموسيقى تنساب على الورق بلا أي ضوابط
تقدم نفسها على أنها من القراء والمشاهدين، تكتب بنظرتهم ولكن بأسلوبها الخاص، تومض الفكرة في ذهنها ثم تضيء على أوراقها محاولة قدر الإمكان الابتعاد عن نفسها أثناء كتابة شخصيات عملها لكي لا تتركها في قالب واحد. تحرص الكاتبة الشابة هديل إسماعيل على التواجد في “لوكيشن” التصوير برغبة المتابعة لما كتبته، لترى كيف يتحول النص إلى صورة وصوت مع الشخصيات التي نسجتها، بمعنى آخر إلى واقع -على حد تعبيرها.
بدأت الكتابة للدراما بالمشاركة مع الكاتب عثمان جحى في مسلسل “قلبي معي”، وانتهى مؤخراً المخرج رشاد كوكش من تصوير مسلسل “غفوة القلوب” وحول أول تجربة لها في مجال الدراما ضمن مشروع خبز الحياة الذي أطلقته المؤسسة العامة للإنتاج التليفزيوني والإذاعي كان هذا الحوار مع كاتبة العمل:
فكرة مضيئة
بداية تُعرف الدراما بأنها فن حساس وتدخل كل البيوت وتخاطب جميع الشرائح، وعن دافعها للكتابة في الدراما كمشروع كتابي قالت هديل:
لدي حب كبير للكتابة فهي طريقتي في التعبير عن أفكاري وعما يدور في داخلي، وهي محاولة مني للتواصل مع المجتمع السوري خاصة والعربي عامة وإيصال تلك الأفكار له كون الدراما تدخل كل بيت، فهي مشروعي الحالي وأطمح مستقبلاً إلى التطرق لأنواع أخرى من الكتابة إن أمكن.
تومض الفكرة في ذهنها، فتلبسها رؤيتها وتبني عليها الأحداث، وعن أسلوبها في التعاطي مع موضوعها أجابت:
غالباً أعتمد على خيالي الواقعي بمعنى أن قصصي من تأليفي المحض لكنها واقعية يشعر المشاهد أنها تمثله، ومن الممكن أحياناً أن تأتي الفكرة من موقف أو جملة أو كلمة أو شعور، وبعد اشتعال الفكرة تتحرك الأفكار بلا أي ضوابط كالموسيقى التي تنساب، وأترك لعقلي ومشاعري حرية التحرك، وهنا تتشكل لدي الخطوط الأساسية، بعدها تأتي الخطوات العملية الموثقة.
المرأة العظيمة
وتتجلى مسؤولية هديل إسماعيل ككاتبة تجاه قضايا المرأة التي تحملت العبء الأكبر من الحرب وتداعياتها، وحول هذه النقطة تحدثت: مسؤولية هامة وكبيرة وعلى الجميع تقدير موقف المرأة الرائع والشجاع في الأزمة، إضافة إلى أنها عظيمة بكل الأوقات والمواقف، فالمرأة ليست نصف المجتمع بل هي أساس المجتمع ولن أتوانى عن طرح قضاياها بالشكل اللائق بأي عمل أفكر فبه.
“خبز الحياة”
يندرج مسلسل “غفوة القلوب” ضمن مشروع خبز الحياة الذي أطلقته المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي كمشروع درامي، وعن مدى تفاؤلها بنجاح العمل، والرسالة التي يتضمنها أوضحت:
أشكر المؤسسة ومديرها المخرج زياد الريس لإطلاق هذا المشروع الذي يعتبر عملي جزءاً منه فهو مشروع عظيم ذكي حقق بظروف صعبة نجاحات غير مسبوقة. في الحقيقة، آمل أن ينجح العمل، والتفاؤل مطلوب والخوف موجود بالتأكيد، وإن لم أكن متفائلة بنجاحه لما قمت بكتابته، وفي النهاية يبقى المشاهد هو الحكم.
وأضافت: يحمل “غفوة القلوب” معنيين أساسيين وشاملين الأول هو عند وصول الإنسان لما يريد سواء كان عمل أو هدف أو نجاح أو حبيب يرتاح قلبه ويأخذ غفوة بمعنى غفوة الراحة، أما الثاني فهو عندما يُغفّي الإنسان قلبه ليقوم بعمل سلبي فهنا يغفو القلب أي ينام عن الصواب، فغفوات القلوب تتراوح بين الراحة وتعذيب الضمير.
صراع الأخلاق
تطرح الكاتبة في عملها قيماً ومعايير في العمل وتحديداً الصراع بين الأخلاق والواجب، وعن نسبة حضورها على أرض الواقع، خاصة وأن الحرب فرضت قيمها ومعاييرها لدى كثيرين بيّنت:
معك حق، الحرب فرضت قيمها ومعاييرها، لكن ما حاولت قوله عن صراع الأخلاق والواجب أن قيم الحرب لم تُطبق على الجميع فنحن شعب قوي وخلوق ومعدننا الأصلي من ذهب وإن تغيرنا قليلاً فإن معدننا الحقيقي يظهر في المواقف الشديدة. واتبعت في كتابتي أسلوب التحفيز، فبدلاً من تسليط الضوء على الأشخاص السلبيين ذوات النفوس الضعيفة التي استغلت كارثة كبيرة كالحرب لتتغير، والذين باتوا يؤشروا على التلفاز وهم يضحكون عندما يظهر من يمثلهم، سلطت الضوء على ذاك الشريف الصامد رغم كل الصعاب علّه يستحق التكريم، ولعل الآخر يرى هذا النموذج الذي قد نسيه فتتحرك بداخله الإنسانية.
في العمل حصة كبيرة للشباب وقضاياهم، وعن تقييمها لدور الشباب في الحرب من حيث تفاعلهم وحضورهم والمبادرات التي قاموا بها قالت هديل:
كما قلت، لجيل الشباب حصة كبيرة، وفي الحقيقة هي مقصودة وموزعة على أغلب الفئات العمرية والاجتماعية، فجيل الشباب هو الأمل. بالنسبة لدورهم في الحرب أو لدورنا فنحن من جيل الشباب الذي نهشت الحرب أجمل سنوات حياته لكن مع ذلك كنا صامدين أقوياء تحملنا فوق استطاعتنا ومازلنا متابعين، ومازال هناك واجبات علينا القيام بها ليعود الوطن الحبيب سليماً معافى.
قضية شائكة
أيضاً يتطرق “غفوة القلوب” لقضية شائكة هي اللقطاء، عن هذا المحور وكيف يتعامل الناس والمجتمع مع هذه القضية قالت:
قضية اللقطاء قديمة ومستمرة للأسف ومازال موقف المجتمع تجاههم ذاته لم يتغير، وكثيراً ما ألح السؤال عليّ إلى متى سنبقى نحاسب الشخص على أخطاء غيره، خاصة وأن الحساب قاس جداً يقترب من إنهاء الحياة، والسؤال الأهم إلى متى سيبقى اللقيط يشعر بالنقص، فهو حتى لو كان خلوقاً ذكياً ومُحباً عليه أن يبقى في القاع لخطأ لا يعرف حتى من ارتكبه، وهذا أكبر وأبشع أنواع الظلم، والحقيقة لم اكتفِ بطرح الأسئلة بل أسندتها بالأفعال والتعامل معهم وحبهم والزواج منهم إذا ظهرت إنسانيتهم ونقاء قلبهم.
أيضاً تتناول هديل إسماعيل في كتابتها موضوعات حساسة، وعن حضور الرقابة لديها والشرط الذي يحكم كتابتها أجابت:
كما ذكرت سابقاً أترك لقلمي حرية البوح على الورق، وبعد ذلك ألتزم بملاحظات الرقابة، لكن أن أضع قيوداً مسبقة لقلمي فهذا سيعيق كتاباتي، وبالتالي لا شروط مسبقة أتقيد بها فلكل عمل شروطه الخاصة حسب الموضوع والظرف وأسلوب الطرح.
أما من حيث تحيزها لشخصية من شخصيات العمل أثناء الكتابة، وأين هي من هذه الشخصيات تابعت:
الشخصيات الأساسية والثانوية تملك نفس الأهمية ليس بالنسبة لي فقط بل بالنسبة للعمل فلكل شخصية تأثيرها القوي، والحقيقة شعرت بالانحياز لكل واحدة أثناء كتابتها وكأن خطها هو العمل بأكمله، ففي العمل خطوط كثيرة ابتعاداً مني عن فكرة العائلة الواحدة أو العائلتين التي تحمل العمل برمته فيقع أحياناً المشاهد بالملل من القصة المحصورة بجانب واحد أو الشخصيات المحدودة، حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن نفسي وعن شخصيتي لكي لا أترك العمل في طابع موحد، لكن بالمقابل لا يخلُو الأمر أني أتماهى أحياناً مع بعض الشخصيات، ومع ذلك لم أقيد نفسي بشخصية ما، وإنما أظهر بمواقف معينة في كل شخصية.
جمان بركات