ارتحال النمل
يتبع النمل الحفار الأثر، لكنه لا يملك أنوفاً، لذا فهو يلوِّح بقرون الاستشعار بغرض التقاط الرائحة، ثم ينطلق في طريقه للتدمير (النمل الحفار يدمر البيوت). يعرف العلماء الكثير عن النمل، بما في ذلك قدرته على إتباع أثر الرائحة، لكن باحثين في جامعة هارفارد يريدون الوصول إلى فهمٍ أكثر تفصيلاً للآلية الدقيقة لشم النمل أو تذوقه للفيرمونات التي تحدد طريقه، إذ يستخدم النمل قرون الاستشعار لالتقاط الإشارات الكيميائية التي تركها نملٌ آخر، والحاسة الكيميائية لدى النملة -سَمّها حاسة الشم، أو التذوق، أو المُستقِبلات الكيميائية- تمكِّنها من إتباع مساراتٍ مستقيمةٍ أو منحنيةٍ أو حتى متعرجة، ومن أجل استكشاف كيف يفعل النمل ذلك، خَلَط العلماء فيرمونات النمل بالحبر واستخدموها لرسم مساراتٍ على الورق. أطلق العلماء نملاً على المَسارات وسجلوا حركته لعَشرات الساعات. ثم حلَّلوا المقاطع واستخدموا نماذج حاسوبيةٍ متعددةً لسلوك النمل، وما وَجده رايان درافت ومستشاره فينكاتش مورثي، وغيرهما من العلماء، هو أن النَمل ينتهج استراتيجياتٍ متنوعةً لإتباع المسارات..
وتَستخدم كُل أنواع النمل قرون الاستشعار لمسح الطريق من أقصاه إلى أقصاه. إحدى الاستراتيجيات التي تستخدمه أيضاً كانت التحسُّس. تتحرَّك النملة المُتحسِّسة ببطءٍ، وتُبقي قرنيّ استشعارها قريبين. وأطلق الباحثون على الإستراتيجية الثانية اسم الاستكشاف: إذ يَتحرَّك النمل المستكشف ببطءٍ كذلك، لكنه يسلك مساراتٍ متعرجةٍ مبتعداً عن الطريق أحياناً ثم عائداً إليه مرةً أخرى. وحين كان النمل يوضع على مسارٍ مرسومٍ بالفيرمونات، فإنه كان يتحرَّك أسرع، ويبقي قرون الاستشعار على جانبي الطريق. كان النمل يُبقي أحد قرنيّ استشعارها أقرب للطريق، وكان تفضيل أحد قرنيّ الاستشعار يختلف من نملةٍ لأخرى، ووجد الباحثون كذلك أنه رغم ما للنمل من سمعةٍ لكونه مجتهداً، فإن بعض النمل كان أكثر اجتهاداً من غيره. وبأي حالٍ فإن فهم سلوك النمل يمكن أن يكون مفيداً في بناء روبوتاتٍ على تلك الشاكلة، إذ يرى د. مورثي نجاح هذه التجربة دليلاً على أن الباحثين قد وجدوا طريقةً جيدةً لدراسة ارتحال النمل بالتفصيل. ويقول: «أعتقد أننا كنَّا نشعر بالتواضع أمام النمل ونحن نرى كم هو معقدٌ سلوكه. نشعر بالتواضع لكن لا نشعر بالإحباط».