الملتقى العلمائي: تأصيل مفهوم المواطنة لمواجهة الفكر التكفيري
دمشق- سنان حسن:
اختتم الملتقى العلمائي الإسلامي الرابع عشر، الذي انعقد في فندق إيبلا، أمس، تحت عنوان “دور العلماء في تأصيل مفهوم المواطنة وحفظ الأوطان”، أعماله بإصدار شدد على ضرورة تثقيف الأجيال الناشئة على الأسس الفكرية السليمة والمتوازنة التي تترجم العلاقة بين الانتماء العقدي من جهة والانتماء الوطني من جهة أخرى، والتي تضفي سمات التلاحم والتكاتف، انطلاقاً من مبادئ الدين الحنيف، والتأكيد أن الإسلام يحمل في منظومته الفكرية النقية ثوابتَ تؤسس لبيان مفهوم الوطن، وترسّخ مبادئ بناء الأوطان وحفظها من عوامل التمزّق المتنوعة، وتعزز في نفوس أبنائه دوافع الذود عن حمى الأوطان في وجه كل خطر.
وأضاف البيان: إن التضحيات التي قدّمها أبطال الجيش العربي السوري، وإلى جانبهم الأحرار والشرفاء من أبناء محور المقاومة والصمود، هي البرهان الأكمل على أن الفهم الواعي للإسلام المحمدي الأصيل ضامنٌ لرسم معالم الانتماء الوطني الصحيح، وبذل التضحيات في سبيله، وامتلاك البصيرة الثاقبة في تمييز العدو من الصديق.
كما دعا الملتقى العلمائي إلى تنشيط البحث العلمي الموضوعي والدراسات ذات الطابع الوطني والوحدوي والتقريبي، وتوحيد الجهود العلمية لتقديم الأجوبة الشافية على الأسئلة الفكرية المحورية، وزيادة التفاعل والتبادل العلمي والعملي بين المؤسسات والحواضر العلمية، فيما يصب في خانة التأصيل الفكري الدقيق والعميق لمحاور ومخرجات هذا الملتقى وسائر الأنشطة البنّاءة، وضرورة التعمّق في دراسة الجوانب الفقهية التي تؤسس لبيان الطرح الإسلامي النقي حول المواطنة مفهوماً ونظريةً متكاملة، بعيداً عن محاولات تشويه المنظومة الفكرية الدينية، وخلق حالة الصراع الداخلي بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد.
وأكد البيان أن المقاومة قدّمت بإيديولوجيتها وفاعليتها أنموذجاً رائعاً للدفاع عن الأوطان ومنع شرذمتها، وجسّدت مثلاً يحتذى به في الجمع بين الوجدان الوطني والوجدان المقاوم، داعياً إلى رص الصف ونبذ الخلافات لتفويت الفرصة على الأعداء، ولاسيما العدو الصهيوني الذي يحاول استثمار الواقع السياسي الفلسطيني لإطالة أمد احتلاله وعدوانه وتمييع معالم القضية الفلسطينية، كما أشاد بالتضحيات والانتصارات الأخيرة للجيش العربي السوري المقاوم، وذلك بالتصدي البطولي الأخير للاعتداءات الصهيونية المدعومة بالعنجهية الأمريكية، وأدان الصمت الرسمي العالمي والعربي المخزي.
وشدد الملتقى أن الاستكبار والكيان اللقيط الغاصب ومن ورائهما الغرب وبعض الأنظمة المستعرِبة تساهم عسكرياً وفكرياً في تهديم التعايش السلمي وإجهاض النهضة الفكرية في الأوطان، وإن الحق هو المنتصر، و”إسرائيل” ستزول من الوجود، ووجّه التحية لسورية، قيادةً وجيشاً وشعباً، لاحتضانَها كلَّ المؤتمرات والملتقيات التي تشدّ عود الأمة، وتحفظ وحدتهَا، وتذيعُ روحَ الإخاء فيها ونصرتَها التي لا تتزحزح للمقاومة، وإصرارَها على تحرير فلسطين الحبيبة، والوقوف إلى جانب الأحرار والشرفاء من أبناء الأمة.
وكان الملتقى، الذي أقامته وزارة الأوقاف بالتعاون مع مكتب قائد الثورة الإسلامية في إيران في سورية، قد ناقش عدداً من المحاور، أبرزها مفهوم الوطن ومنظومة الفكر الإسلامي، ومنطلقات ومباني فقه المواطنة، وهوية الذات بين الانتماء العقدي والانتماء الوطني، ودور التكفير والصهيونية في تشويه مفهوم المواطنة وهدم الأوطان، وثنائية المقاومة والمواطنة، أكد المتحدثون فيها أهمية غرس قيم الوطنية ومحبة الوطن والدفاع عنه لدى الأجيال، وتعزيز أواصر الوحدة الوطنية، والانسجام بين كافة أبناء الوطن الواحد، والتصدي للفكر التكفيري الذي يعتمد على إقصاء وإلغاء الآخر.
وشدد وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستار السيد على أن سورية، التي تحمل الفكر الوسطي المعتدل والمحب، تقدّر عالياً دور الدول الحليفة والصديقة التي وقفت إلى جانبها في حربها ضد الإرهاب، ولاسيما الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة اللبنانية، مشيراً إلى أن النظامين التركي والسعودي، ومن ورائهم أمريكا والكيان الصهيوني، جاؤوا بالإرهابيين، مسلحين بالوهابية التكفيرية، من كل أصقاع الأرض إلى سورية لتدميرها وقتل أبنائها والقضاء على الحضارة الإنسانية فيها، وأضاف: إن المجتمع السوري صمد بوجه العدوان الذي تعرّضت له سورية خلال السنوات الماضية بفضل الوحدة المجتمعية وحالة التآخي لدى أبنائه.
ودعا ممثل قائد الثورة الإسلامية في إيران، أبو الفضل الطبطبائي، العلماء ورجال الدين إلى القيام بدورهم التاريخي في إعادة إحياء معاني الحضارة الإسلامية المعتدلة وقيمها الإنسانية الراقية، وأضاف: إن سورية كانت ومازالت وطن الإخاء ومنارة العلم والإيمان والرائدة في التقريب والحوار بين المذاهب.
وأوضح رئيس مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، الشيخ محسن الآراكي، أن نوايا الولايات المتحدة والصهيونية ومن يدعون العروبة باتت مكشوفة للأمتين العربية والإسلامية، داعياً للوقوف إلى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق بكل صمود وثبات، مشيراً إلى ارتباط مفهوم العزة بالوطن وهوية الشعوب الإسلامية.
من جهته شدد السفير الإيراني بدمشق جواد ترك أبادي على أهمية تعميق مفاهيم الانتماء وأطر التواصل وحب الوطن، داعياً العلماء ورجال الدين والمفكرين والمثقفين إلى مواجهة الفكر الظلامي والتكفيري الهدام بعلمهم وكلماتهم وتقويم كل اعوجاج، فيما شدد رئيس مجلس اتحاد علماء بلاد الشام، الشيخ الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي، على أن أولئك الذي ظنوا أن سيادة سورية تُشترى من الأعداء خرجوا منها، وبقي أبطالها راسخين كالجبال بفضل الجيش الأبي الذي دافع ببسالة عن وطنه وأبنائه، مشيراً إلى ما قامت به المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية في صون وحدة وتماسك سورية إلى جانب الجيش العربي السوري البطل.
ودعا الدكتور الشيخ أكرم بركات، ممثل حزب الله في لبنان، إلى تعزيز قيم حب الوطن، وانتماء الفرد الاجتماعي إلى الإنسانية وفقاً للمفهوم الإسلامي، مشيراً إلى أن الإرهابيين في سورية مارسوا عمليات الإلغاء والإقصاء والتكفير، وصبّوا بلاءهم على الشعب السوري محاولين تهديد نسيجه ومحبته الوطنية. وتخلل الملتقى تكريم عدد من أمهات الشهداء وتقديم هدايا عينية ورمزية لهن.
شارك في الملتقى حشد كبير من العلماء ورجال الدين من سورية وإيران والعراق ولبنان واليمن.