حرب ليست بجديدة
لن نحتاج إلى كثير من التحليل والتمحيص لمعرفة ما حدث في منطقتنا ومناطق أخرى من العالم، وما يحضّر لنا ولغيرنا ممن يناهض سياسات واشنطن في قادم الأيام.. فاليوم بات التدخل الاستعماري الغربي علناً وعلى رؤوس الأشهاد، تارة بالانقلاب على الشرعية كوسيلة لإخضاع الشعوب وفق ما يشتهي ترامب وحلفاؤه، وثانية باتباع سياسات خنق الشعوب وتجويعها من خلال العقوبات الظالمة التي تستهدف لقمة عيشها وحليب أطفالها، وثالثة بالإملاء على الحكومات بزعم الدعوة لاحترام حقوق الإنسان، وبالطبع وفق رؤية الغرب المتغطرس التي ترمي إلى نشر الفوضى، وغيرها من الشعارات التي يريدون تطبيقها بشكل مشوّه لإبقاء النار مشتعلة في المناطق التي تحتل موقعاً جيوسياسياً هاماً على خارطة العالم، أو التي تجابه السياسات الصهيو أطلسية، وتقف حجر عثرة في طريق هيمنتها، أو التي تملك ثروات نفطية هائلة، وأصبحت بفعل التغوّل الأمريكي على شفا الانهيار بعد أن كانت حتى وقت قريب قوة سياسية واقتصادية يحسب لها حساب.
لا يريد الغرب الاستعماري للشعوب التنعّم في ثرواتها، فهو لطالما اعتبر أمريكا اللاتينية حديقة خلفية للبيت الأبيض، وجاهر بأن ملوك ومشايخ الخليج ليسوا أكثر من “نواطير” لواشنطن على الثروات النفطية التي يضيع معظمها ثمناً لحماية عروش متهالكة أكل الدهر عليها وشرب، وبالتالي فإن النهب هو الفيصل في نظرة الغرب لباقي دول العالم، وطوق نجاة لحكامه من أزماتهم الداخلية السياسية والمالية، وعليه لا أحد يتكلّم عن حقوق الإنسان في السعودية على سبيل المثال لا الحصر، فيما يجتمع ماكرون مع هيئات المجتمع المدني في مصر خلف الأبواب المغلقة ليعطيهم درساً عن حقوقهم، ويملي على رئيس الدولة ما يتوجب عليه فعله تجاه شعبه، بالتزامن يرسل ترامب آلاف الجنود إلى كولومبيا تمهيداً لاجتياح فنزويلا في حال رفض الرئيس مادورو إجراء انتخابات مبكرة، في إطار محاولة أمريكية لإيصال عميل لها إلى سدة الحكم. ذلك يحدث على وقع اجتماع للاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جديدة على كاراكاس غداة تجميد واشنطن كل الأصول المالية لشركة النفط الوطنية الفنزويلية، والأمر ذاته ينسحب على سياسة الغرب تجاه سورية، فبعد انتصاراتها على الإرهاب فرض عليها عقوبات جديدة أضرّت بشعبها الذي طالما ذرفوا دموع التماسيح عليه في المحافل الدولية، ليكون بوابة العبور لتخريب وطنه تحت ذات الشعارات التي استخدموها في حروبهم، بدءاً بفيتنام وكوريا، مروراً بأفغانستان والعراق، وصولاً إلى فنزويلا وإيران، والقادم أعظم.
إذاً نحن أمام حرب ليست بجديدة، لكنها نوع من الحروب القديمة استحضروها بعد أن فشلوا في قيادة الحروب من الخلف بالاعتماد على التنظيمات التكفيرية ومافيات القتل الجوال، وبات لزاماً على من تعوّدوا انتهاك سيادة الدول اتباع سياسة القوة الخشنة في إطار محاولاتهم اللا منتهية لمواصلة هيمنتهم على القرار العالمي، ونهب خيرات الدول المستهدفة، وتجويع شعوبها، وتأليبها على حكوماتها الشرعية حتى يتمكنوا من الانقضاض عليها.
ولكن الشعوب الحرة والحية في العالم تدرك مبكراً حقيقة وأبعاد الاستهدافات الغربية، حدث ذلك في سورية في بداية الحرب الكبرى عليها عندما شرح الرئيس الأسد أبعاد المؤامرة، وكان شعبنا على قدر المسؤولية، واستطاع الصمود والانتصار، واليوم فإن الرئيس مادورو كان واضحاً أمام شعبه عندما رفض كل الإملاءات الخارجية، وأشار بالاسم إلى الرئيس الأمريكي بأنه يخطط لتخريب فنزويلا، داعياً المعارضة إلى الحوار حفاظاً على وحدة البلاد، وتشير المقدمات إلى أنه يسير في الطريق للخروج منتصراً من “الفخ” الذي نصب لفنزويلا، ما يعني بأنه بقدر ما تصمد في وجه العاصفة تكون الخسائر ضمن الحد المقبول، وبقدر ماتخضع وتذعن تكون الاستباحة والتدخلات، ومن لا يزال يعتقد نفسه خارج نطاق الاستهداف أن يعي خطورة ما يحضر له قبل فوات الأوان.. والتاريخ يشهد.
عماد سالم