ثقافةصحيفة البعث

محطات مضيئة في مسيرة العربية والتعريب

 

لصون اللغة العربية أهمية كبيرة فاللغة هي صلة ارتباط حاضر الأمة بماضيها وبمستقبلها، وفي الأمس قدم عضو مجمع اللغة العربي د. مازن المبارك محاضرة بعنوان: “محطات مضيئة في مسيرة العربية والتعريب” في مجمع اللغة العربية، تضمنت سرداً تاريخياً لأبرز المحطات التي مرت بها لغتنا بقضاياها الحديثة والمتصلة ولاسيما فيما يتعلق بالتعريب.

بدايات التعريب

وبين د. المبارك بداية ضرورة الحرص على وحدة اللغة العربية واستعلائها وكل ما يكفل لها المنعة والرفعة والسيادة، مشيراً إلى أن العرب قبل الإسلام لم يكونوا في جزيرتهم بحاجة إلى قضايا لغوية، ولم يكن بينهم تباينا في اللهجات يمنعهم من الوحدة اللسانية التي اجتمعوا عليها في أسواقهم الأدبية، ولكن حين انطلق العرب مع رسالتهم خارج جزيرتهم بدأ الصراع والخطأ اللغوي يظهر، لأنهم دخلوا مناطق مختلفة لكل منها لغتها الخاصة، لكن لم يمض زمن طويل حتى أصبحت هذه البلاد عربية بلسانها وكتابتها وحكومتها، ثم مر د. المبارك على مجموعة من المحطات المضيئة أولها عندما سك عمر بن الخطاب الدرهم العربي لأول مرة في تاريخ الأمة وأنشأ ديوانا للجند، بالإضافة إلى كونه أول حاكم عربي يصدر قراراً ألا تستخدم الدولة من لا يعرف لغتها، كذلك انتقل إلى مرحلة تولي عبد الملك بن مروان الخلافة والذي قام  بتعريب الدواوين من الرومية والفارسية والقبطية إلى العربية، وكان ذلك من أهم الأسس التي ساعدت القومية العربية في الممالك الإسلامية وقطع فيها آخر مظهر من مظاهر الأعاجم فصارت البلاد عربية بكاملها، كما أنه قام  بوعي عربي كبير بضرب الدراهم المنقوشة واتخذ دوراً لسك النقد وكتب على الدينار ” قل هو الله أحد”، وهو بذلك بلغ حماسة كبيرة في التعريب فقد عرب الدواوين والنقد والإدارة وكان  أول من نقش على النقد باللغة العربية وفرضها لغة في الحياة والمؤسسات، كما أعتبر أن حركة التعريب التي قام بها الحجاج هي من أعظم الحركات التي تركت أثارها في المجال الثقافي والسياسي، وقللت الفروق التي تنشأ من اختلاف الألسنة وهيأت لنهوض كتابة فنية، ولم ينس ذكر ما خطت به الدولة في التعريب بتنشيط نقل العلوم إلى العربية منذ أيام خالد بن يزيد، ولذلك كانت المحطة المضيئة في العصر العباسي توسعة للعمل الذي بدأه خالد في التعريب، معتبراً أن هذه المحطات المضيئة ينبغي للدارسين أن يقفوا عليها ليوازنوا بين -الحالة الاقتصادية تحديداَ- قبل التعريب وما آلت إليه بعده من ازدهار اقتصادي ونشر للعمالة العربية وللدينار العربي، فهي خطوات موفقة زادت اهتمام الخلفاء بالكتاب والكتابة.

تعريب التعليم

أما في العصر الحديث فقد لخص المحاضر الأحداث الكثيرة التي وقعت وكانت ذات أثر قائلاً: النقطة الأولى في عصرنا الحديث كانت عام 1821 حين أنشئت المطبعة الأهلية –ولها عدة أسماء- في القاهرة وكان لها فضل عظيم في كتب التراث وصدر عنها كتبا كانت الأولى في بابها، ثم انتقل إلى عام 1920 الذي صدر فيه مرسوم جمهوري في بيروت بتأسيس مجمع لغوي علمي عربي لبناني غايته المحافظة على اللغة العربية ولكن تم إلغاء المجمع لاحقاً، كما تحدث عن “تعريب التعليم” حيث صدر أول قرار من وزراء التربية العرب بتعريب التعليم في جميع مراحله  في مؤتمر الكويت 1946، وقد تكررت مؤتمرات التعريب التي حملت تسميات عديدة وآخرها كان المؤتمر 11 للتعريب في عمان سنة 2008 وكان من أكثرها أثراً والذي أثبت علمياً أن تعليم الأمة بلسانها يفيد تعليماً وتعلماً وتربية وثقافة واقتصاداَ، لافتاً إلى تجربة القطر السوداني في مجال تعريب التعليم فهو يصلح نموذجاَ في هذا الميدان، إذ كان التعليم فيه باللغة الإنكليزية، لكن المسؤولين عن التعريب كانوا حكماء فطبقوه سنة تلو سنة حتى استوفى التعريب، وكانت النتيجة بأن استيعاب الطلاب للعلوم باللغة العربية فاق استيعابهم لها باللغة الانكليزية كما وارتفع أداء اللغة العربية وفتح باب الترجمة والتأليف وتضاعف عدد الطلاب في الجامعات، وتبين أن تأخر التعريب كان لتأخر صدور القرار السياسي من الحكام.

حماية اللغة

وتطرق د. المبارك إلى موضوع حماية اللغة العربية والمفارقة فيه أننا نطالب بحماية اللغة في موطنها وفي عواصم العروبة وليس في بلاد أجنبية، ومر على مجموعة القوانين التي صدرت لحمايتها وتمكينها، كما أشار إلى موضوع اتحاد المجامع العربية الذي عرض بإلغاء المجامع القائمة وإنشاء مجمع موحد، لكن الجامعة العربية حينها أخذت باقتراح دمشق الذي أبقى على كل مجمع، وتم عقد مؤتمر للمجامع وممثلون للدول التي لا يوجد فيها مجمع وصدرت مجموعة توصيات أهمها تأسيس اتحاد مجامع اللغة العربية، وختم حديثه بالقول: إن هذه المحطات كانت سرداً تاريخياً لا تفصيل فيه وهي حلقة أولى لابد أن تتبعها مجموعة حلقات عن التعريب في لبنان والعراق والجزائر وغيرها.

لوردا فوزي