التحكيـــــم المؤســــــساتي رافعـــــة الاســـــتثمار لإعـــادة الإعمـــار
بشائر انتصار شعبنا وبلدنا أصبحت واضحة جلية، ومن توهموا أنه بمقدورهم أن يهزموا بلدنا خلال أيام خاب فألهم وفشلوا في تحقيقه خلال سنوات، وكانوا هم المهزومين الأذلاء، ولكن الخراب الذي نجم عن حقدهم وإجرامهم سيتطلب جهداً ووقتاً لإعادة إعماره، وسيكون للدول الصديقة دور في هذا الإعمار، من خلال شركاتها التي ستتهافت للمشاركة، وهي آخذة في الحسبان أنها ستتعرض للكثير من الإشكالات القانونية، والتي ترى وجوب معالجتها سريعاً من خلال مراكز تحكيم قضائي مرخصة ومعتمدة دولياً، ومخولة قانوناً في النظر والحسم والحكم القطعي المعتمد، خلافاً لأداء القضاء العادي المعهود تعثره وتأخره في معالجة الكثير من القضايا.
ونظراً لأهمية التحكيم القضائي وأهمية الدور الملقى على عاتق مراكزه المحدثة في بلدنا، وحيث إن الساحل السوري هو بوابة سورية البحرية على دول العالم، ومحط إقبال الكثير من الشركات العالمية على مئات المشاريع الاستثمارية الواعدة في سهوله وجباله، فقد دعت اللجنة الإدارية لجمعية العلوم الاقتصادية في طرطوس بالتعاون مع المركز الثقافي العربي في طرطوس مدير عام مركز أرادوس للتحكيم المحامي المستشار حيدر سلامة لإلقاء محاضرة بعنوان “التحكيم بيئة آمنة لاستراتيجيات الإعمار والاستثمار”، والتي اتضح منها أن مراكز التحكيم محكومة بقوانين التحكيم التي صدرت في الكثير من البلدان إثر توسع المنظومة الاقتصادية العالمية وانتشار التجارة الدولية، والمادة الثالثة من اتفاقية نيويورك لعام /1958/ تنص على اعتراف كل من الدول المتعاقدة بحجية التحكيم وتأمر بتنفيذه، وسورية منضمة إلى هذه الاتفاقية بالقرار الجمهوري رقم / 171 / لعام / 1959 /، إلا أن الدول العربية تأخرت كثيراً في إحداث مراكز التحكيم، ما تسبب أن دفعت من خزائنها /200/ مليار دولار نفقات وأتعاب تحكيم لمراكز أجنبية حسب ما جاء في صحيفة الأهرام الاقتصادي بتاريخ 24/9 /2017، إذ كان عدد المحكمين المصريين /7/ فقط من أصل /450/ محكماً، ينظرون في /745/ قضية، وكان من المتوجب أن تكون مراكز التحكيم العربية هي الحاضرة والأولى بالحصول على هذه المليارات.
استدراكاً للتأخير الذي حصل في بلدنا بهذا الشأن فقد صدر قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام /2008/، المستقاة نصوصه من روح قانون اليونسترال الصادر عن اللجنة القانونية للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985 والمعدل عام 2006 وتعديلاته، ومن قواعد وأنظمة العديد من القوانين الدولية والعربية، وإثر صدوره تم ترخيص بعض مراكز التحكيم في بعض المحافظات السورية، المتخصصة بحل النزاعات المدنية والتجارية والاقتصادية الناشئة بين الأفراد أو الشركات أو الدول، المعروضة عليها من الأطراف الطالبة للتحكيم، لقناعتها أن الحكم التحكيمي يدقق من لجنة قانونية تضمن توفر الشروط المتوافقة مع أحكام القانون، ويصدر مبرماً غير قابل للطعن بأي طريق من الطرق، ويكون ملزماً وقابلاً للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف، وينفذ إجبارياً إذا رفض المحكوم عليه التنفيذ الطوعي بعد إكسائه صيغة التنفيذ، ومن غير الجائز عرض أية قضية أمام القضاء العادي حال كانت معروضة في مركز تحكيمي.
تتجلى أهمية التحكيم بحرية الأطراف في اختيار القاضي واختيار الإجراءات واختيار مكان التحكيم ولغته والقانون الواجب التطبيق، وتحديد مدة 180 يوماً كحد أقصى، للنظر في القضية المعروضة، وتتميز مراكز التحكيم بأنها تضمن تحقق العدالة بين الأطراف المتخاصمة، نظراً لاعتماد المركز على كوادر مؤهلة ومميزة ونزيهة، وحريصة على تحقيق الوفرة في الوقت والمال على الأطراف المتحاكمة، فالنفقات والأتعاب لا تؤخذ جزافاً، بل كل ذلك محدد بجداول وفق النظام الداخلي للمركز، ولا يمكن تجاوزها إلا باتفاق الأطراف.
إن وجود مراكز تحكيم محلية يحقق مكانة ورفاهية وسعادة ودخلاً مادياً مميزاً للمشتغلين في التحكيم، سواء أكانوا محكمين أم خبراء أم مترجمين، ويضمن الاستفادة من الكتلة النقدية الهائلة التي ستدفع لحل النزاعات في مرحلة إعادة الإعمار، ويضمن تحقيق ريع مادي كبير للخزينة السورية، ما يوجب إقبال جمهرة من المختصين في العديد من المجالات لا تباع دورات تؤهلهم العمل في المراكز التحكيمية المحلية لتكون مؤسسة التحكيم السورية مؤسسة.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية