“أماسي” تكرم المخرج باسل الخطيب
شغلت سداسية الأفلام التي وثّقت الحرب الإرهابية على سورية حيزاً من جلسة أماسي التي كرّمت المخرج باسل الخطيب في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة-بإدارة الإعلامي ملهم الصالح، لتبقى بعض مشاهد الفيلم الآسر والأقرب إلى روح المخرج باسل الخطيب كما ذكر” دمشق-حلب” الأجمل في مسيرة التزمت بقضايا الأمة العربية لاسيما القضية الفلسطينية.
وقد سلم الفنان الكبير دريد لحام درع وزارة الثقافة للمخرج الخطيب، وأثنى على مسيرته ووصفه بالمخلص لعمله والملتزم الذي يحمل أفكاره معه إلى موقع التصوير ويدرك مسبقاً أية زاوية هي الأجمل، ويضيف: في افتتاح دمشق-حلب” قلت: في هذا الفيلم انتهت أحلامي الكبيرة” وفي تكريمك اليوم أقول: لديّ أحلام صغيرة تكبر وأحدها أن ألتقي معك بفيلم آخر.
بدأ الصالح حواره مع الخطيب منذ لحظة ولادته في هولندا، وأوضح الخطيب بأنه نتيجة لمنع والده الشاعر يوسف الخطيب من دخول ست دول عربية أقام في هولندا مع زوجته بهاء الريس التي تنتمي إلى عائلة جمعت بين الشعر والسياسة، وبعد عام من ولادته عادت العائلة إلى سورية، والملفت أن الصالح توقف معه عند عودته إلى هولندا عام 2009 أثناء رحلة عمل ليبحث عن البيت الذي وُلد فيه، إلا أن صاحبه الهولندي لم يفهم معنى الحنين إلى الأماكن التي نرتبط بها وجدانياً وأخلاقياً، ليخلص بقوله”اليوم وغداً سيبقى حنيني إلى دمشق”.
وتابع الخطيب مع الصالح الحديث عن طفولته وعن دراسته التي لم تكن مبشرة بتفوقه كما ذكر، فلم يكن يهتم بالمواد الدرسية لشغفه بكرة القدم وبالرسم الذي أخذه إلى عوالم اللون والصورة البصرية.
وبعد حصوله على الثانوية انتظر سنة منحة دراسة الطب في موسكو من منظمة التحرير الفلسطينية رغم علاماته المتدنية، فالتحق بكلية الأدب الإنكليزي ليحقق شغفه بقراءة الأدب الإغريقي والإنكليزي والتعرّف إلى البجيرمي وغيره من الأساتذة الرائعين، ليكتشف أن في الحياة أماكن ومراحل ليست عابرة، بل تكون أساسية في حياتنا.
في موسكو واجه الخطيب القدر ليجد أن المنحة تحوّلت إلى باكو عاصمة أذربيجان لدراسة هندسة النفط، فوجد ملاذه في سينما صغيرة تعرض الأفلام الروسية ليكتشف أبعاد هذا العالم العظيم ويقرر دراسة الإخراج السينمائي، وبعد محاولات رفض قياديي المنظمة قدم امتحان القبول بالمعهد العالي للسينما في موسكو، والأمر المثير الذي ذكره الخطيب أنه تم قبوله بثلاث دقائق فقط لشبهه ببوشكين الذي يحفظ شعره، ليطلب منه فيما بعد أن يقرأ شعره في المناسبات الوطنية.
العودة والواقع
وانتقل الصالح إلى مرحلة ما بعد التخرج بفيلم اللعنة عام 1987، والعودة إلى دمشق ليتوقف الخطيب مطوّلاً عند مواجهته القدر للمرة الثانية، فلم يكن هناك إنتاج درامي ففي العام ينتج قرابة أربعة مسلسلات، وكل سنتين ينتج فيلم، فوجد نفسه إزاء خيارين إما أن يعتكف أو أن يشتغل، والأهم أن يستفيد من الوقت فبدأ بأعمال كتابية وكتب روايته الوحيدة “أحلام الغرس المقدس” التي يحلم بتحويلها إلى فيلم، ليبدأ دخوله إلى عالم التلفزيون بسلسلة من الأفلام التلفزيونية في عام 1992 بدأت بفيلم الرؤية الأخيرة وأسست لشراكة بينه وبين الفنان أيمن زيدان والموسيقي سمير كويفاتي.
واستعرض الصالح أعمال الخطيب التلفزيونية التي تقارب الثلاثين من أشهرها، الغالبون وأحببتك من الصفر وحدث في دمشق وحرائر، ليتوصل إلى أن الخطيب لم يقم شراكة ثنائية فعلية مع كاتب أو شركة إنتاج.
وتوقف الصالح عند المحطة المفصلية في مسلسل”نداء المتوسط”إنتاج التلفزيون العربي السوري الذي يتناول حضارة أوغاريت وتعرض المشروع لمجموعة من المؤامرات كما ذكر الخطيب وتوقف، لينتقل الصالح إلى البعد الإنساني وعلاقة باسل مع والده الشاعر يوسف الخطيب، فيستفيض الخطيب قائلاً: لولاه لم أكن في هذا الموقع، وكل مشروع أقدمه كنت أعود إليه وأفتقده في كل يوم.
وتوقف الصالح عند الجملة التي اقتبسها باسل من والده ودوّنها على الشاشة في المشهد الأول من فيلم مريم”لقد فقدنا كل شيء ولم يبق لنا سوى الحب” ليسأله الصالح ما نفع الحب إذا فقدنا كل شيء؟
السؤال بيّن التزام الخطيب بمشروعه الوطني العروبي الفلسطيني الملتزم حينما تحدث عن الحب بمفهومه الواسع عن حب الوطن حب الذات الحب النبيل، الحب الذي لمسناه في دمشق-حلب، الحب الذي يوجهنا نحو البوصلة التي تدلنا على الطريق الصحيح.
قباني ودرويش
العلاقة الحميمة التي تربط باسل بوالده الشاعر قادت الصالح إلى مسلسل نزار قباني الذي حقق حضوراً سورياً وعربياً ليتوقف مع مشهد عودة نزار – النجم تيم حسن- إلى منزله وذكرياته مع والده الراحل الذي جسد دوره أسعد فضة في قصيدة”أبي” التي وصفها المخرج الخطيب بأجمل قصيدة رثاء في الشعر المعاصر والتي ربح فيها التحدي واستطاع إيجاد المعادل البصري لها.
“جريدته.تبغه. متكاه/كأن أبي-بعد- لم يذهب”
وسأله الصالح لماذا ذهبت إلى نزار قباني وابتعدت عن محمود درويش؟ ليفاجئ الخطيب الحضور بأن الإنسان لايتجزأ، ومحمود درويش رغم شعره الناطق بعذابات فلسطين إلا أنه كانت له مواقف إشكالية على المستوى السياسي لم أقبلها، فلم أكن على وفاق سياسي معه مما أبعدني عنه.
توثيق الحرب الإرهابية
المحطة الأخيرة والأهم كانت تلخيص الصالح مراحل السينما عند باسل الخطيب بدءاً من التخرج إلى ما قبل الأزمة السورية التي تخللها الفيلم التوثيقي للقضية الفلسطينية مسارات، إلى المرحلة الأغزر وذات الإيقاع العميق والبعد التوثيقي للحرب السورية بسداسية أفلامه من مريم إلى دمشق-حلب، وشراكة الخطيب بالكتابة مع أخويه تليد ووضاح، ويتوقف معه الصالح عن الشراكة الكتابية العائلية ابتداء من زوجته الكاتبة والإعلامية ديانا جبور وصولاً إلى شراكته مع ابنه مجيد الذي درس الإخراج السينمائي في أمريكا باتجاهات مغايرة لدراسته بفيلم الاعتراف، فتحدث الخطيب عن أزمة النصوص والذهنية التي يكتب بها الكتّاب التي تعود إلى ثلاثين عاماً خلت، ليجد نفسه مضطراً للكتابة وتنفيذ الفيلم على الورق، ليتوقف عند فيلم دمشق-حلب مع الكبير دريد لحام الذي لايعده الخطيب تجربة وإنما حياة كاملة عشناها وليقترب من مفاتيح نوع فني جديد لم يعتد عليه الكوميديا التي توصل إلى التراجيديا. ليخلص الخطيب إلى أن الأفلام السورية من خلال عرضها في العالم وحدت الناس وغيرت القناعات.
المطران كبوتشي
واختتم الصالح أماسي بحلم الخطيب ومشروعه الإنساني بتنفيذ مسلسل المطران كبوتشي أمير الكنيسة العربية ليكون أول عمل درامي يتناول شخصية رجل دين مسيحي خرج من زي الكهنوت إلى زي المناضل ضد الاحتلال، فأوضح الخطيب بأن المشروع توقف حالياً بسبب الخلاف مع مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي حول تكاليف الإنتاج متمنياً الوصول إلى حل.
من الجولان وفلسطين
واستعرض الصالح رسالة المسرحية فالنتينا أبو عصقة من الأراضي المحتلة التي أشادت بأعمال الخطيب متوقفة عند”الغالبون” وحملت رسالة الفنانين الفلسطينيين في الداخل الذين يحلمون بالعمل مع باسل الخطيب، وتقاطعت دعوتها مع دعوة أبناء الجولان المحتل، لتشيد كل الشهادات من غسان مسعود وأسعد فضة والأمير أباظة وفاروق الفيشاوي ووليد أبو بكر ومراد سوداني وآخرين بالتزام الخطيب بالقضية الفلسطينية والقضايا الوطنية والإنسانية.
ملده شويكاني